الفصل (1) النَّسَبُ النبوِيُّ الشريفُ وسِلسِلةُ الطريقةِ

Share

الشيخ عبد الكريم الكَسْنَزان، الثاني من اليمين وعلى يساره الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد في الحج (1973).

«إن كل تحرّكاتنا وكل عملنا هو بهمة الرسول ﷺ، همة آل بيت النبوة، همة الكرّار والحُسَين وسيدنا الـكيلاني وسيدنا شاه الكَسْنَزان قَدَّسَ الله أسرارهم. فنحن نسير بهِمَّتهم، بقوَّتِهم، ببرَكَتِهم، وبِنَظَرِهِم».

السيّد الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان الحُسَيني (موعظة، 7 كانون الثاني 2010)

يرجع نسب السيد الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان إلى النبي مُحَمَّد ﷺ من جانبي والده ووالدته. ولانتسابه إلى الدوحة المُحَمَّدية الشريفة دلالة كبيرة، بناءً على هذا الحديث الشريف:

«إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي، أَحَدُهُمَا أَعْظَمُ مِنَ الآخَرِ: كِتَابُ اللَّهِ، حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ، وَعِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي. وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَليَّ الْحَوْضَ، فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِي فِيهِمَا».[1]

ففي هذا الحديث أمر واضح بأن اتباع الله والنبي ﷺ يعني اتباع القرآن العظيم وآل البيت، حيث جعل الله عز وجل أقرب خلقه إليه وأكثر الناس إرشاداً ودعوة إلى طريقه هم من نسل نبيه الكريم ﷺ، لأن آل بيت النبوة هم ورثة أحواله الروحية ﷺ. ولذلك كان أكبر المرشدين إلى الطريق إلى الله وأكثرهم تأثيراً من نسل النبي ﷺ. وحديث العترة هو تفسير قوله عز وجل: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ (الأحزاب/33).

وتشير بعض الروايات إلى أن النبي ﷺ قال هذا الكلام قبل انتقاله من عالم الدنيا بأشهر قليلة. فوفقاً لصيغة هذا الحديث في صحيح مُسلِم، قبل أن يقول حديث الثقلين قال الرسول ﷺ: «فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسُولُ رَبِّي فأُجِيبَ»[2] في إشارة إلى مَلَك الموت، مما يؤكّد بأن الحديث كان قبل انتقاله من هذا العالم بفترة قصيرة. كما يذكر مسلم بأن خطاب النبي ﷺ هذا كان عند ماء «خُمّ»، مما يرجّح بأنه نفس الخطاب الذي أعلن فيه ولاية الإمام علي والذي كان قبل ثلاثة أشهر من انتقاله ﷺ إلى جوار الرحمن: «اللهمَّ مَنْ كُنتُ مَوْلاه، فهذا عَليٌّ مَوْلاه. اللهمَّ والِ مَنْ والاهُ، وعادِ من عاداهُ. وأنْصُر من نَصَرَه، وأخْذُل من خَذَلَه».[3] ومن الواضح من نص الحديث بأنه بمثابة «وصيّة»، مما يرجّح بأنه من أواخر ما أمَرَ به، وهذا يؤكّد أهميته ويوضّح معناه ودلالاته.

وينحدر نسب الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان من عائلة عريقة من الأشراف من شمال العراق تُعرَف بالعائلة «البرزنجية» نسبةً إلى السيّد عيسى البرزنجي. فبسبب الاضطهاد الذي لاقاه أحفاد رسول الله ﷺ في عهود مختلفة اضطر الكثير منهم إلى الهجرة من الجزيرة العربية، موطن جدهم الأكبر ﷺ، وتفرّقوا في بقاع العالم. ورغم أن ظاهر مثل هذه الهجرة أذى للمهاجرين، فإن في باطنها رحمة للناس في مختلف الأماكن التي وصلها المهاجرون ليرشدوا الناس إلى طريق جدهم سيدنا مُحَمَّد ﷺ.

وهاجر أحد هؤلاء الأحفاد واسمه «يوسف» شمالاً إلى مدينة همدان، التي تقع اليوم شمال غرب إيران، فأصبح يُعرف بلقب «الهمداني». وكان السيد يوسف الهمداني عالماً متصوفاً زاهداً ومتمرساً بالفقه، ونتيجة تقواه وعلومه التف حوله آلاف الناس ليتلقّوا علوم التصوف وغيره من علوم الدين على يده، ولذلك لُقِّبَ بـ «شهاب الدين».

وتجنّباً للخلط، فإن السيد يوسف الهمداني هو غير الشيخ أبو يعقوب يوسف الهمداني الذي عاصر الشيخ عبد القادر الگيلاني وقال له حين قابله: «كأني أراك ببغداد وقد صعدت الكرسي متكلّماً على الملأ وقلت: «قدمي هذه على رقبة كل ولي». وكأني أرى الأولياء في وقتك وقد حنوا رِقابهم إجلالاً لك».[4] حيث عاش السيد يوسف الهمداني حوالي قرنين بعد زمن الشيخ عبد القادر.

والسيد يوسف الهمداني هو ابن السيد مُحَمَّد المنصور، بن السيد عبد العزيز، بن السيد عبد الله، بن السيد إسماعيل المحدَّث، بن الإمام موسى الكاظم، بن الإمام جعفر الصادق، بن الإمام مُحَمَّد الباقر، بن الإمام علي زين العابدين، بن الإمام الحُسَين، بن الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه والسيدة فاطمة الزهراء بنت رسول الله وخاتم الأنبياء والمرسلين مُحَمَّد ﷺ.[5]

كان للسيد يوسف ولد من كِبار العلماء والمتصوفين اسمه «بابا علي»، ورزق بثلاثة أبناء هم موسى، وعيسى، ومُحَمَّد. ذهب الإخوة الثلاثة إلى الحج وزاروا الرسول ﷺ، ثم عادوا عن طريق العراق متجّهين شمالاً حتى وصلوا إلى المنطقة التي أصبحت تعرف لاحقاً باسم «بَرْزِنْجَه» فقرروا البقاء لبعض الوقت. وفي إحدى الليالي شاهد عيسى النبي ﷺ يأمره باتّخاذ هذه المنطقة سكناً له وبناء مسجد هنالك. وبقي أخوه الأكبر موسى معه فيما عاد أخوه الأصغر مُحَمَّد إلى همدان واستوطن بعدها أفغانستان.

وبنى السيدان عيسى وموسى المسجد الذي أمر به النبي ﷺ وسكنا المنطقة واشتغلا بخدمة الدين ودعوة الناس إلى الله. وتزوج السيد موسى ابنة أحد المشايخ المعروفين هنالك. وبعد زواجه بفترة قصيرة سافر للإرشاد إلى منطقة قريبة فاغتاله جماعة من الغُلاة من الطائفة النُصَيرِيّة،[6] فجلب السيد عيسى جثمانه ودفنه في بَرْزِنْجَه. وتزوج السيد عيسى أرملة أخيه، فاطمة، ورزقهما الله باثني عشر ولداً. ولما كان السيد موسى لم يترك ذرّية، فإن كل سادة بَرْزِنْجَه، بما فيهم عائلة شيخنا، ينحدرون من السيد عيسى. ويوجد ضريحا السيدين عيسى وموسى قريباً من المسجد الذي بنياه.[7]

ومن يتتبّع تاريخ السادة البَرْزِنْجِيّين بشكل عام يجد بأنهم قد ورثوا من بركة جدهم ﷺ ما يعجز عن وصفه اللسان. ونجد هذا جلياً في العدد الكبير من الأولياء الذين خرجوا من هذه العائلة المباركة وفي كراماتهم التي لا حصر لها، كما نرى ذريّتها في كل بقاع الأرض. ولذلك وصف الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان جدَّه السيد عيسى البَرْزِنْجِي بأنه «محيي الآل والدين».

ويُعرَف السيد عيسى البَرْزِنْجِي أيضاً بالفارسية بلقب «نور بخش» الذي يعني «مُعطي النور»، لنورٍ كان يظهر على وجه الشخص الذي يأخذ البيعة منه. وكان الرسول ﷺ قد قبّله على ناصيته، فكان يرخي على ناصيته العمامة لئلا يخطف النور أبصار الناظرين.

الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان، الأوّل من اليمين، في الحج (1973).

وينتسب الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد إلى العائلة البرزنجية عن طريق العائلة «الكَسْنَزانيّة» على وجه التحديد، التي سنتعرّف هنا على أجداد شيخنا منها. فالجد الأكبر لهذه العائلة المباركة التي أخذت اسمها منه هو الشيخ عبد الكريم شاه الكَسْنَزان (1824-1902). والشيخ عبد الكريم شاه الكَسْنَزان الذي هو ابن السيد حُسَين، بن السيد حسن، بن السيد عبد الكريم الخاوي، بن السيد إسماعيل الوِلْياني، بن السيد مُحَمَّد النوديهي (المَلُقَّب بالكبريت الأحمر)، بن السيد بابا علي الوندرينه، بن السيد بابا رسول الكبير، بن السيد عبد السيد الثاني، بن السيد عبد الرسول، بن السيد قلندر، بن السيد عبد السيد، بن السيد عيسى الأحدب، بن السيد حُسَين، بن السيد بايزيد، بن السيد عبد الكريم الأول، بن السيد عيسى البَرْزِنْجي.

وعُرِفَ الشيخ عبد الكريم بلقب «كَسْنَزان» بعد دخوله لخلوة في كهف في جبل في شمال العراق كان قد أختلى فيه الشيخ عبد القادِر الگيلاني قبل حوالي 750 عاماً، ولذلك كان يُعرَف باسم «گيلان آوى» أي «مأوى الگيلاني». وكانت خلوته بناءً على أمر من خاله وشيخ الطريقة القادِريّة الشيخ عبد القادِر قازان قايه. بقي الشيخ عبد الكريم في خلوته منقطعاً عن الناس لسنتين، ورغم جهود أهله لم يتمكّنوا من العثور عليه. فكانت غيبته هذه هي سر اشتهاره باللقب الكردي «كَسْنَزان»، الذي يعني «لا أحد يعرف»، لأنه لم يعرف أحد مصيره، فحين كان يسأل أحد عمّا حدث له كان الجواب هو «كَسْنَزان». أما التفسير الصوفي لهذا اللقب فنجده في قول الشيخ عبد الكريم لاحقاً في حياته: «لقد أعطاني الله شبكة من الأسرار لا يعرفها إلا هو والنبي ﷺ». فهذه الأسرار التي لا يعرفها أحد هي تفسير لقب «كَسْنَزان» الفريد.

بعد حوالي ثلاث سنوات من خروجه من خلوته انتقل الشيخ عبد الكريم للسكن في منطقة تُعرَف باسم «كَرْبْچْنَه». وانتقل معه للسكن هنالك اتباعه فأصبحت قرية كبيرة نسبياً بعد أن كان فيها بيتين أو ثلاثة فقط. وعاش الشيخ عبد الكريم هنالك حتى وفاته. وبقيت كَرْبْچْنَه موطن مشايخ العائلة الكَسْنَزانيّة.

أصبح الشيخ عبد الكريم شاه الكَسْنَزان شيخ الطريقة القادرية، ونال قدراً عظيماً من القرب من الله عز وجل جعله مجدّداً للدين، فدخلت الطريقة في عصره طوراً جديداً فأصبحت طريقته تُعرف بالطريقة «العليّة القادريّة الكَسْنَزانيّة». فاسم هذه الطريقة مشتقٌ من أسماء ثلاثة من أكابر أعلامها هم الإمام علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه والشيخ عبد القادِر الگيلاني، والشيخ عبد الكريم شاه الكَسْنَزان.

للطريقة الكَسْنَزانيّة، كما تُعرَف اختصاراً، سلسلة مشايخ مستمرة غير منقطعة، أي كان لها دائماً شيخٌ حي، حيث استلم كل أستاذ مشيخة الطريقة يداً بيد من الشيخ الذي سبقه. فقد أُنزلت هذه الطريقة المباركة على النبي مُحَمَّد ﷺ الذي أورث علومه الروحية إلى أستاذ الطريقة من بعده الإمام علي بن أبي طالب الذي أورثها عن طريق جناحين.

يبتدئ الجناح الأول، والذي أسماه أستاذنا بـ «الجناح الذهبي» لأنه جناح آل بيت النبوة، بالإمام الحُسَين، ومنه إلى يد الإمام علي زين العابدين، ومنه إلى يد الإمام محمد الباقر، ومنه إلى يد الإمام جعفر الصادق، ومنه إلى يد الإمام موسى الكاظم، ومنه إلى يد الإمام علي الرضا.

وأورث الإمام علي الطريقة عن طريق جناحها الثاني إلى الشيخ حسن البصري، ومنه إلى يد الشيخ حبيب العجمي، ومنه إلى يد الشيخ داود الطائي، ومنه إلى يد الشيخ معروف الكرخي. ويلتقي جناحا الطريقة الكَسْنَزانيّة عند الشيخ معروف الكرخي الذي ورث أيضاً مشيخة الطريقة من أستاذه الآخر الإمام علي الرضا.

وتستمر السلسلة المتّصلة لمشايخ الطريقة الكَسْنَزانيّة من الشيخ معروف الكرخي إلى يد الشيخ السريّ السقطي، ومنه إلى يد الشيخ جنيد البغدادي، ومنه إلى يد الشيخ أبي بكر الشبلي، ومنه إلى يد الشيخ عبد الواحد اليماني، ومنه إلى يد الشيخ أبي فرج الطرطوسي، ومنه إلى يد الشيخ علي الهگاري، ومنه إلى يد الشيخ أبي سعيد المخزومي، ومنه إلى يد الشيخ عبد القادِر الگيلاني، ومنه إلى يد الشيخ عبد الرزاق الگيلاني، ومنه إلى يد الشيخ داود الثاني، ومنه إلى يد الشيخ محمد غريب الله، ومنه إلى يد الشيخ عبد الفتاح السيّاح، ومنه إلى يد الشيخ محمد قاسم، ومنه إلى يد الشيخ محمد صادق، ومنه إلى يد الشيخ حُسَين البحراني (البصرائي)، ومنه إلى يد الشيخ أحمد الأحسائي، ومنه إلى يد الشيخ إسماعيل الوِلْياني، ومنه إلى يد الشيخ محي الدين كركوك، ومنه إلى يد الشيخ عبد الصمد گله زرده، ومنه إلى يد الشيخ حُسَين قازان قايه، ومنه إلى يد الشيخ عبد القادِر قازان قايه، ومنه إلى يد الشيخ عبد الكريم شاه الكَسْنَزان قَدَّسَ الله أسرارهم جميعاً.

خلف الشيخ عبد الكريم على سَجّادة الطريقة أصغر أبنائه سناً عبد القادِر (1867-1922). واضطر الشيخ عبد القادِر إلى مغادرة كَرْبْچْنَه في منتصف عام 1919 مهاجراً إلى غرب إيران بعد أن جاهد الجيش البريطاني المحتل في شمال العراق. ولم يعمّر الشيخ عبد القادِر الكَسْنَزان أكثر من 55 عاماً، وتوفي في المهجر فأعاد ابنه وشيخ الطريقة من بعده الشيخ حُسَين الكَسْنَزان جثمانه إلى كَرْبْچْنَه ودفنه بجوار والده الشيخ عبد الكريم شاه الكَسْنَزان.

عُرِفَ الشيخ حُسَين (1888-1939) برياضاته الروحية فكان مجاهداً ندر مثيله. وبعد عمر قصير نسبياً لم يتجاوز 52 عاماً، ترك بعده أستاذاً للطريقة أخاه الشيخ عبد الكريم (1912-1978)، والد الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد. ولمزيد من التفاصيل عن حياة كل شيخ من مشايخ الكَسْنَزان أنظر كتابنا التصوّف في الطريقة العَلِيّة القادِريّة الكَسْنَزانِيّة: تَطبيقٌ عَمَليٌ لمنهجِ الإسلامِ الروحي.

أما عن نسب شيخنا عن طريق والدته، فهي السيدة حفصة، بنت السيد عبد القادر گُلَه نَبَر، بن السيد مُحَمَّد صالح، بن السيد عبد القادر قازان قايه، بن السيد حُسَين قازان قايه، بن السيد محمود كليسه، بن السيد إسماعيل الوِلْياني، سادس أجداد الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان من جهة والده.

كان السيد عبد القادر والد السيدة حفصة من خلفاء شاه الكَسْنَزان. ورغم أنه كان يُطلَق عليه أحياناً لقب «گُوپ تَه پَه»، وهو اسم قرية سكنها في ناحية سنگاو، فإنه كان مشهوراً بين الناس باللقب الكردي «گُلَه نَبَر» الذي يعني «ضد الرصاص»، لأن شاه الكَسْنَزان وضع يوماً يده الكريمة على ظهره وقال له بأنه لن يقتله الرصاص. ورغم دخوله معارك عديدة، منها ضد الروس، الذين غزوا شمال العراق عن طريق إيران في بداية الحرب العالمية الأولى، وبعدهم البريطانيين، ووجود آثار طفيفة لطلقات على جسده، فإنه لم يتوفَّ بسبب أية من الطلقات التي أصابته، وعمّر حتى قارب سن التسعين. ورَوَت والدة شيخنا أنه حين كان والدها يحلّ حزام لباسه الكردي بعد عودته من قتال الروس كان يتساقط منه رصاص أصابه من غير أن يؤذيه. وكان هذا معروفاً عنه حتى أن أحد موظفي الإدارة البريطانية في العراق حينئذ أشار إلى سمعته بأنه كان «يتمتّع بحصانة ضد الرصاص».[8]

ومن كرامات شاه الكَسْنَزان ذات الصلة أن أحدهم قال له يوماً بأن الولي الكبير كاكا أحمد الشيخ كانت لديه «گُلَه بَرْد»، أي تعويذة ضد الرصاص، وسأله أن يعطيه شيئاً شبيهاً. فقطع شاه الكَسْنَزان بيده الشريفة قطعة من السَجّادة الفرو التي كان جالساً عليها وردَّ قائلاً بما معناه: «هذه گُلَه بَرْد لَكُم»، أي أنه لم يكن بحاجة إلى كتابة تعويذة خاصّة بالحماية من الرصاص وإنّما كانت قطعة صغيرة من الفروة التي يجلس عليها كافية لأن تقوم بذلك.

وبعد زمن من انتقال شاه الكَسْنَزان وتوارث حاجياته الشخصيّة من قبل الأقرباء، لم يعد أحد يعرف أين انتهت السَجّادة ومن كان يحتفظ بها. ولكن في ليلة شاهدت ابنة أخ أستاذنا في المنام بأن قطعة من سَجّادة شاه الكَسْنَزان وحاجة أخرى تعود للشيخ عبد القادر الكَسْنَزان كانتا داخل مخدّة في حوزة عمّتها. فلمّا استيقظت من النوم فتحت المخدّة وفعلاً عثرت على ما رأت في المنام. وأصبحت هذه السجّادة في حوزة شيخنا، وكان يهب منها قطعاً صغيرة لبعض المريدين للبركة.

فالشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد هو سيّد حُسَيني النسب عن طريق والدته ووالدته اللذين ينتميان إلى العائلة الكَسْنَزانيّة البرزنجية.  ومن معالم بركة هذا النسب الشريف هو أن عشرة من أجداد الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد من جهة والده هم أيضاً من أساتذة الطريقة العليّة القادريّة الكَسْنَزانية، وهم والده السيّد الشيخ عبد الكريم الكَسْنَزان، وجدّه السيّد الشيخ عبد القادر الكَسْنَزان، ووالد جده السيّد الشيخ عبد الكريم شاه الكَسْنَزان، الذي سُمِّيَت الطريقة تيمّناً بأسراره بالطريقة الكَسْنَزانية. كما أن من أساتذة الطريقة السيّد الشيخ إسماعيل الوِلْياني الذي كان أول من جاء بالطريقة القادِريّة إلى كردستان العراق، إضافة إلى الأئمة الستة موسى الكاظم، وجعفر الصادق، و مُحَمَّد الباقر، وعلي زين العابدين، والحُسَين، وعلي بن أبي طالب عليهم السلام. كما أن اثنين من أجداد شيخنا من جهة والدته، وهما السيد الشيخ حُسَين قازان قايه وابنه السيد الشيخ عبد القادر، هما أيضاً من أساتذة الطريقة الكَسْنَزانية.

[1] الترمذي، الجامع الكبير، ج 6، ح 3788، ص 125.

[2] مسلم، صحيح مُسلم، ج 4، ح 2408، ص 1873.

[3] أحمد بن حنبل، مسند أحمد بن حنبل، ج 1، ح 950، ص 262؛ ح 951، ص 263.

[4] الهيتمي، الفتاوي الحديثيّة، ص 316.

[5] من المصادر التي يمكن تتبع فيها الأجداد القدماء في نسب شيخنا هو: النجفي، بحر الأنساب، ص 62.

[6] إن «النُصَيرِيّة» هو اسم آخر لطائفة «العَلَويّة».

[7] المُدرّس، علماؤنا في خدمة العلم والدين، ص 421-422. هنالك روايات مختلفة في مصادر أخرى عن كيفية استقرار السيدين عيسى وموسى في برزنجه، كما ذكر إدموندز، كورد وترك وعرب، ص 115-120.

[8] إدموندز، كورد وترك وعرب، ص 461.

لؤي فتوحي 2004-2021. جميع الحقوق محفوظة.
 http://www.facebook.com/LouayFatoohiAuthor
 http://twitter.com/louayfatoohi
 http://www.instagram.com/Louayfatoohi

Share