الفصل (19) الذِّكْرُ: لُغَةُ الحَديثِ مَعَ اللهِ

Share

الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان في جلسة مدائح في تكية عمّان (13 نيسان 2018).

«يا موتى القلوب، داوموا على ذكر ربّكم عز وجل، وتلاوة كتابه، وسُنّة رسوله، وحضور مجالس الذكر وقد حَيَت قلوبكم كما حَيَت الأرض الميتة بنزول الغيث عليها. دوام الذكر سبب لدوام الخير في الدنيا والآخرة. إذا صح القلب صار الذكر دائماً فيه، يُكتب في جوانبه وعلى جملته، فتنام عيناه وقلبه ذاكر لربّه عز وجل. يرث ذلك عن نبيّه محمّد ﷺ».

الشيخ عبد القادِر الگيلاني (جلاء الخاطر، ص 43)

يمثل الذكر غذاء الحياة الروحية للمسلم، ولذلك فإن له دور غاية في الأهمية في السلوك الصوفي.

19-1 حبل الوصول إلى الله

إن الذكر هو أساس الوصول إلى الله، حيث ربط الله ذكره لعبده بذكر العبد له: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾ (البقرة/152)، فأمر في كتابه الكريم بالإكثار منه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّـهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (٤١) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلً﴾ (الأحزاب/41-٤٢). وحتى الصلاة التي وصفها الرسول ﷺ بأنها «عِمادُ الدّين»[1] هي نوع من الذكر، كما بيّن العزيز الحكيم في كتابه الكريم: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾ (طه/14). فالصلاة هي ذكر في وقت معيّن بشروطٍ معيّنة: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا﴾ (النساء/103). ولنتدبّر أيضاً قوله الكريم:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّـهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (٩) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّـهِ وَاذْكُرُوا اللَّـهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (الجمعة/9-10).

من الواضح أن هدف صلاة الجمعة هو ذكر الله. ولصلاة الجمعة، مثل كل صلاة، وقت معيّن وشروطٌ خاصّة، ولكن ذكر الله بشكل عام لا وقت له ولا حدّ، ولذلك أمر الله المؤمنين بعد انتهائهم من صلاة الجمعة وتفرّقهم لمختلف شؤونهم أن يداوموا على ذكره كثيراً. فالأصل في الصلاة هو الذكر، أي أن الذكر يشمل الصلاة والصلاة هي أحد فروعه، ولذلك وصف الله الذكر بأنه أكبر:

﴿اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّـهِ أَكْبَرُ﴾ (العنكبوت/٤٥).

وهذه آية كريمة أخرى تبيّن بأن الذكر بشكل عام، أي باستثناء الصلاة وأية أذكار أخرى مشروطة، يمكن أن يقوم به المرء في أي وقت ومكان وحال:

﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّـهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَـٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ (آل عمران/١٩١).

ويقول الله في الحديث القدسي عن دور الذكر الفريد في ربط العبد بالمعبود عز وجل وتقريبه منه:

«أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي. فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ، ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي؛ وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ، ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ. وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ، تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا؛ وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا، تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا؛ وَمَنْ أَتَانِي يَمْشِي، أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً».[2]

الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان في حلقة ذكر في تكية البصرة الرئيسة (13 آذار 1990).

ومن حديث النبي ﷺ في فضل الذكر:

«لَا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا حَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ، وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ، وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ».[3]

«إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ جِلاءً، وَإِنَّ جِلاءَ الْقُلُوبِ ذِكْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ».[4]

«مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لَا يَذْكُرُ رَبَّهُ كمَثَلِ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ». [5]

«أَكْثِرُوا ذِكْرَ اللهِ حَتَّى يَقُولُوا مَجْنُون».[6]

وهنالك الكثير من الأحاديث الشريفة في منزلة الذكر وأهمّيته وأفضال الأذكار المختلفة.

وفي وصفه لانشغال أهل الذكر بالله، يقول الشيخ عبد القادِر الگيلاني عن ارتباط ذكر الله للعبد بذكر العبد لربه:

«التَحَقوا به وبالمحبين له، ساروا معه بقلوبهم حتى وصلوا إليه، وحصّلوا الرفيق قبل الطريق. فتحوا الباب بينهم وبينه بذكرهم. ما زالوا يذكرونه حتى حطّ الذكر عنهم أوزارهم. فَقْدُهم مع غيره،[7] ووجودهم به. سمعوا قوله عزَّ وجلَّ: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ﴾ (البقرة/152)، فلازَموا الذكر له طمعاً في ذكره لهم. سمعوا قوله عزَّ وجلَّ في بعض ما تكلم به: «أَنَا جَلِيسُ مَنْ ذَكَرَنِي»،[8] فهجروا مجالس الخلق وقنعوا بالذكر حتى تحصل لهم المجالسة له».[9]

كما وصف قَدَّسَ الله سِرّه العزيز حال العبد الذاكر فقال: «تسكن جوارحُه وقلبُه لا يسكن. عينا رأسه تنامان وعينا قلبه لا تنامان. يعمل بقلبه ولا يفتر، ويذكر وهو نائم».[10]

والذكر هو صلة الدرويش الروحية بأستاذه الذي يربطه بسلسلة المشايخ، إلى الرسول ﷺ، وصولاً إلى الله. فكل بركة وحال ومقام يأتيه من الله عن طريق شيخه سببه الذكر. ولذلك يكرّر أستاذنا دائماً على أسماع المريدين كلام الغوث الأعظم: «من ينقطع عن الأوراد، ينقطع عنه الإمداد»، أي تنقطع عنه البركة الروحية من شيخه. فمن الضروري أن يذكر المريد الله بشكل مستمر، ولذلك للطريقة أوراد تشمل كل أوقات اليوم، كما سنرى لاحقاً. ويقول أستاذنا:

«إذا لم تكن لديك أوراد يومية، فلن يكون عندك مدد يومي. لذلك فإنهم (مشايخ الطريقة) جعلوا للمريد أذكاراً: أذكاراً يومية، وأذكاراً دائمة، وأذكارَ العصر، وهكذا، وذلك لكي تكون دائمًا في حضور مع الله، دائمًا موجوداً عند الله».[11]

ويقول بأن النبتة الروحية من الرسول ﷺ التي يكتسبها المريد عند أخذه بيعة الطريقة من الشيخ يجب أن تُسقى بنور الذكر حتى تنمو كالشجرة التي يصفها الله في المثل القرآني: ﴿كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (٢٤) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا﴾ (إبراهيم/24-25).[12]

الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان في حلقة ذكر (تسعينيّات القرن الماضي).

ومن شروط الذكر أن يكون قلب الذاكر غير مشغول بشيء عن الله، ويضرب الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد مثلاً في وصف هذه العزلة مع الله فيقول بأن الذاكر يجب أن يكون مثل من يغطس رأسه في الماء فلا يعود يسمع أي صوت يشغله. وهو دائم التذكير بتمييز الرسول ﷺ بين الصلاة المقبولة وغير المقبولة، أي تمييزه بين حضور وغياب القلب عند الذكر. وحضور القلب في الذكر هو حال يجب أن يسعى الإنسان للوصول إليه وهو يذكر، لا أن يتوقف عن الذكر في انتظار مجيئه أولاً، حيث قال الشيخ ابن عطاء الله السكندري:

«لا تترك الذكر لعدم حضورك مع الله فيه، فإن غفلتك عن وجود ذكره أشد من غفلتك في وجود ذكره. فعساه أن يرفعك من ذكر مع وجود غفلة إلى ذكر مع وجود يقظة، ومن ذكر مع وجود يقظة إلى ذكر مع وجود حضور، ومن ذكر مع وجود حضور إلى ذكر مع وجود غيبة سوى المذكور: ﴿وَمَا ذَٰلِكَ عَلَى اللَّـهِ بِعَزِيزٍ﴾ (إبراهيم/20)».[13]

ولأن الذكر هو حبل الوصول إلى الله فقد أولى مشايخ الطريقة اهتماماً كبيراً به وجعلوه الشغل الشاغل للمريد.

19-2 خصوصيّة الأذكار

إن في ذكر الله جلاء القلوب وحياتها، كما قال النبي ﷺ. ومثلما أن لكل علة بدنية في الجسد المريض علاجات كيميائية أو عشبية، فإن لكل مرض روحي أذكاراً خاصاً لتطبيب القلب. فهنالك الكثير من الأحاديث النبوية الشريفة التي تؤكّد خصوصية أذكارٍ معينة، بل وتحدّد قراءة تلك الأذكار بأعداد معيّنة: ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ﴾ (الرعد/8). ومنها أن فقراءً زاروا الرسول ﷺ وقالوا له: «إِنَّ الْأَغْنِيَاءَ يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَلَهُمْ أَمْوَالٌ يُعْتِقُونَ وَيَتَصَدَّقُونَ»، فأجابهم: «فَإِذَا صَلَّيْتُمْ فَقُولُوا «سُبْحَانَ اللَّهِ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ مَرَّةً، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ مَرَّةً، وَاللَّهُ أَكْبَرُ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ مَرَّةً، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ عَشْرَ مَرَّاتٍ»، فَإِنَّكُمْ تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ وَلَا يَسْبِقُكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ». كما قال ﷺ: «خَصْلَتَانِ لَا يُحْصِيهِمَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ: يُسَبِّحُ اللَّهَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ عَشْرًا، وَيَحْمَدُهُ عَشْرًا، وَيُكَبِّرُهُ عَشْرًا، وَيُسَبِّحُ اللَّهَ عِنْدَ مَنَامِهِ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَيَحْمَدُهُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَيُكَبِّرُهُ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ».[14]

ومن الأذكار التي اختصّ النبيٌّ ﷺ فضائلَها بالعديد من الأحاديث هو ذكر التوحيد ﴿لَا إِلَـٰهَ إِلَّا اللَّـهُ﴾ (مُحَمَّد/19). فقد وصف ﷺ ذكر «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ» بقوله: «أفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي».[15] كما قال ﷺ عن هذا الذكر الكريم: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ».[16] لقد مرّت بنا في الفصل الثاني عشر كرامة للشيخ حُسَين الكَسْنَزان عن هذا الذكر حين كان في الخلوة مع بعض مريديه. ويروي الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد رؤيا شاهدها عن بركة هذا الذكر:

«أخذوني لرؤية شخص ميّت مدفون في الأرض قد أصبح تراباً بالكامل. بينما أنا أنظر إليه رأيت نوراً ضعيفاً يسري في مواضع الشرايين والأوردة، ولكنه تراجع قبل أن يصل إلى كامل الجسد. وقالوا لي بأن هذا نور الطفولة، نور البراءة. ثم انحسر هذا النور البسيط لتحلّ محلّه نار حمراء قبيحة انتشرت في جميع الجسد، فقالوا لي بأن هذه نار الشيطان. بعد ذلك رأيت نوراً أبيض لا يمكن وصف جماله وبهائه بدأ من الرأس وانتشر في الدورة الدموية في الجسم وطرد النار الحمراء القبيحة. وقالوا لي بأن هذا النور الجميل هو نور «لا إله إلا الله»، فحين يذكره الإنسان، ينتشر في جسمه ويحفظه من النار».[17]

إن هذه الرؤيا هي تجسيد لوصف الرسول ﷺ لذكر «لا إله إلا الله» بأنه يدفع عن الذاكر النار. وذكر «لا إله إلا الله» هو أحد أوراد الطريقة الكَسْنَزانيّة، ويصفه شيخنا بأنه «سيّد الأذكار».[18]

الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان في جلسة مدائح في تكية بغداد الرئيسة (منتصف التسعينيّات).

19-3 الأذكار الكَسْنَزانيّة

يحتاج الجسد المريض إلى طبيب أتقن علم الطب ليشخّص علته ويصف له الدواء المناسب، وكذلك تتطلّب أمراض القلب الروحية طبيباً خبيراً بتشخيص العلل الروحية وعارفاً بالأذكار التي تعالج كلاً منها. وشيخ الطريقة هو طبيب الروح، وأذكار الطريقة هي علاجات أمراض المريد الروحية. وبينما يكتسب طبيب الجسد علومه الطبية عن طريق الدراسة الأكاديمية ومن ثم الخبرة العملية في ممارسته للطب، فإن شيخ الطريقة يتلقى علومه الروحية عن طريق الرسول ﷺ ومشايخ الطريقة وعن طريق تقرّبه بالعبادات من الله عز وجل. ويوضّح شيخنا بأنه لا يصّح إدخال الأوراد إلا من قبل كِبار الأولياء، وتحديداً ممن حصل على مرتبة «الغوثيّة». فلا يأتي مشايخ الطريقة بالأذكار اعتباطاً، وليست مصادر أذكارهم علوماً نقلية مما قرأوا في الكتب أو سمعوا شفاهاً. فالشيخ لا يأمر بذكر ما إلا إذا أُمِرَ به عن طريق كَشْفٍ روحي. ويؤكّد أستاذنا بأنه لا يجوز لأي شخص أن يصف ذكراً ما لأحد إلا إذا كانت لديه إجازة بذلك، وشيخ الطريقة مجاز من مشايخ الطريقة بإعطاء الأذكار: ﴿وَدَاعِيًا إِلَى اللَّـهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا﴾ (الأحزاب/46).

كما لا يجوز لغير شيخ الطريقة تغيير أي وِرْد من أورادها. وَجَّهَ شيخنا في خلوته الأولى الدراويش معه بأن يقرأ كلّ منهم جهراً ذكر «صَلّى اللَّـهُ سُبْحانَه وَتَعالى عَلَيكَ وسَلَّم يا رَسولَ اللَّـه» مئة مرة بعد صلاة المغرب، وكان هو أيضاً يقرأه. ثم سمع يوماً درويشاً اسمه «محمود» يستبدل كلمة «رَسولَ» بكلمة «حبيب»، وهو نفس المريد الذي قال بعد أن رأى الشيخ عبد القادِر الگيلاني في الخلوة بأنه لن يستمد بعد ذلك من شيخنا وإنما من الشيخ عبد القادِر مباشرة (انظر القسم 5-7). فأرسل أستاذنا في طلبه وشرح له بأن عقيدة كل مسلم هي أن النبي مُحَمَّد ﷺ هو حبيب الله، ولكن هنالك أسرار يعلمها مشايخ الطريقة في خطاب هذا الذكر للنبي ﷺ بلقب «رَسول» بالذات دون غيره من ألقابه الكريمة الكثيرة، ونبّهه بأن لا يحاول تغيير هذا أو أي ذكر من أذكار الطريقة.

الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان أمام مسجد تكية بغداد الرئيسة (منتصف التسعينيّات).

ويقرأ المريد أذكار طريقته لأن شيخه قد أجازه بها، وهذا أيضاً يعني بأن المريد يجب أن يكتفي بالأذكار التي أجازه بها شيخه ولا يلجأ إلى غيرها سواء في الكتب أو مما لدى الغير. ففائدة الذكر تأتي من كونها مُجازة للشيخ الذي أجازها بدوره لمريديه، ولذلك لا ينتفع المريد من قراءة أوراد لم يجزه بها شيخه. ويتّضح هذا الترابط أيضاً في قول الشيخ عبد القادِر الگيلاني بأنه إذا انقطع المريد عن الأوراد ينقطع عنه الإمداد. فالأذكار التي أجازها الشيخ للمريد هي حبل الاتصال بينهما، وبالتالي هي الطريق الذي يصل من خلاله المدد الروحي من الشيخ إلى المريد.

وقد فتح الله على أساتذة الطريقة الكَسْنَزانيّة بالكثير من الأذكار التي أدخلوها في فترات مختلفة. وتنقسم الأذكار الكَسْنَزانيّة إلى ثلاثة أقسام رئيسة: أوراد دائمة وأوراد يومية وحلقة الذكر.

19-3-1 الأوراد الدائمة

عدد هذه الأذكار تسعة عشر، يُقرأ كلٌ منها مئة ألف مرة. وبسبب تكرار هذا العدد في أوراد الطريقة الكَسْنَزانيّة فإن له مصطلحاً خاصاً هو «خَتْمة». وتشير التسمية إلى خصوصية هذا العدد الخاص وأن فيه سرّ خاص حيث لا يُختَم، أي يكتمل، الورد إلا بقراءته مئة ألف مرّة، كما لا يتطلّب الذكر قراءته أكثر، ولذلك يتوجب على المريد الانتقال إلى الذكر التالي بعد أن يختم ذكر ما. وتُقرأ الأذكار الدائمة بالتسلسل وباستمرار، فبعد أن يكمل المريد الذكر التاسع عشر يبدأ مرة أخرى بالذكر الأول، وهكذا. ولا ترتبط الأذكار الدائمة بصلاة معيّنة أو وقت محدَّد.

وفيما يلي الأوراد الدائمة التسعة عشر:

1) لا إِلهَ إِلَّا اللَّـه.

2) الله.

3) يا هُو.

4) يا حَي.

5) يا واحِد.

6) يا عزيز.

7) يا ودود.

8) يا رحمن.

9) يا رحيم.

10) سُبحانَ اللَّـهِ، والحَمْدُ للهِ، ولا إِلهَ إِلَّا اللَّـه، واللَّـهُ أكْبَر.

11) اللهُمَّ صَلِّ عَلى سَيِّدِنا مُحَمَّد الوَصْفِ والوَحْيِ والرِسالَةِ والحِكْمَةِ وعَلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وسَلِّمْ تَسْليما.

12) بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ولا حول ولا قوة إِلَّا بالله العلي العظيم.

13) بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. قُلْ هُوَ اللَّـهُ أَحَدٌ. اللَّـهُ الصَّمَدُ. لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ. وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ.

14) لا إِلهَ إِلَّا اللَّـه المَلِكُ الحَقُّ المُبين، مُحَمَّدٌ رَسولُ اللَّـهُ صَلّى اللَّـهُ تَعالى عَلَيهِ وَسَلَّم، صادِقُ الوَعْد الأمين.

15) صَلّى اللَّـهُ سُبْحانَه وَتَعالى عَلَيكَ وسَلَّم يا رَسولَ اللَّـه.

16) لا مَقْصودَ إِلَّا اللَّـه.

17) لا مَوْجودَ إِلَّا اللَّـه.

18) لا مَطْلوبَ إِلَّا اللَّـه.

19) لا مُرادَ إِلَّا اللَّـه.

الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان في حلقة الذكر في تكية السليمانية (النصف الأول من العقد الأول من هذا القرن).

19-3-2 الأوراد اليومية

تتكوّن الأذكار اليومية من خمس مجاميع تُقرأ كلٌ منها بعد واحدة من الصلوات اليومية الخمس، ومجموعة أخرى تُقرأ ساعة واحدة قبل صلاة المغرب، إضافة إلى صيغة معينة من الصلاة على النبي ﷺ تُقرأ خلال اليوم. وفيما يلي الأوراد اليومية:

  1. بعد صلاة الفجر

(أ) لا إِلهَ إِلَّا اللَّـه. [300 مرة]

(ب) لا إِلهَ إِلَّا اللَّـه، مُحَمّدٌ رَسولُ اللَّـهِ، صَلّى اللَّـهُ تَعالى عَلَيهِ وسَلَّمْ، في كل لمحةٍ ونَفَس، عدد ما وَسِعَهُ عِلمُ اللَّـه. [100 مرة]

(ج) اللَّـه. [300 مرة]

(د) سورة الفاتحة. [30 مرة]

(هـ) أسْتَغْفِرُ اللَّـهَ العَظيم. [100 مرة]

  1. بعد صلاة الظهر

(أ) لا إِلهَ إِلَّا اللَّـه. [165 مرة]

(ب) سورة الفاتحة. [25 مرة]

(ج) أسْتَغْفِرُ اللَّـهَ العَظيم. [100 مرة]

  1. بعد صلاة العصر

(أ) لا إِلهَ إِلَّا اللَّـه. [165 مرة]

(ب) سورة الفاتحة. [20 مرة]

(ج) أسْتَغْفِرُ اللَّـهَ العَظيم. [100 مرة]

  1. وِرْد العصر (قبل صلاة المغرب بساعة واحدة)

أ) يا اللَّـهُ يا حَيُّ يا قَيّوم. [66 مرة]

ب) يا اللَّـهُ مَولايَ اللَّـه. [66 مرة]

ج) يا هُو. [66 مرة]

د) يا حَي. [66 مرة]

هـ) يا واحِد. [66 مرة]

و) يا عَزيز. [66 مرة]

ز) يا وَدود. [66 مرة]

ح) يا رَحمن. [66 مرة]

ط) يا رَحيم. [66 مرة]

ك) لا إِلهَ إِلَّا اللَّـه. [100 مرة]

الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان في جلسة مدائح في باحة تكية بغداد (تسعينيّات القرن الماضي).

ويعود تاريخ هذا الوِرْد المبارك إلى أواخر عهد الشيخ عبد القادِر الكَسْنَزان حين كان مهاجراً في إيران. ففي إحدى الليالي شاهد الخليفة الملا مُحَمَّد إمام في الرؤيا الشيخ عبد القادِر الگيلاني يعطيه هذا الذكر ويأمره بأن يبلّغ به الشيخ عبد القادِر الكَسْنَزان. وكان الذكر يتكوّن من تسعة أذكار يُقرأ كلٌ منها 33 مرة، إذ لم يكن الذكر الأخير من ضمنها.

وفي الصباح ذهب الملا مُحَمَّد لزيارة الشيخ عبد القادِر الذي ما أن رآه حتى ضحك وقال له: «يا بني، لقد انتهى وقتي، فليكن التبليغ لمن يأتي بعدي»، ثم طلب منه أن يروي له ما رآه. فلمّا شاهد الخليفة شيخَه يبادره بالإشارة إلى الأمر قبل أن يخبره به، أجابه ممازحاً بأنه لا حاجة لأن يخبره بما حدث فمن الواضح أنه يعرفه! فكرّر السلطان عبد القادِر قوله بأن وقته قد أوشك على الانتهاء وأمره بتبليغ شيخ الطريقة بعده بهذا الذكر. بعد فترة قصيرة انتقل الشيخ عبد القادِر الكَسْنَزان إلى عالم الروح، وتولّى مشيخة الطريقة بعده ابنه الشيخ حُسَين، فأضاف وِرْد العصر إلى أذكار الطريقة.

تبيّن هذه الكرامة بأن ذكر العصر هو هدية من الشيخ عبد القادِر الگيلاني إلى مشايخ الطريقة الكَسْنَزانيّة وأنّ هنالك أسراراً روحية وراء إضافة أي ذكر إلى أذكار الطريقة أو تغييره. وهذه كرامة ثانية تخص هذا الذكر بالذات تؤكّد بأن شيخ الطريقة لا يستحدث ذكراً إلا بأمر روحي. كان الشيخ مصطفى أحمد، أحد أحفاد شاه الكَسْنَزان، في زيارة ابن عمه الشيخ حُسَين حين قال له بأن للطريقة الكثير من الأذكار وإن وِرْد العصر أثقَلَ كاهل المريد، فأجابه بأن إدخال هذا الذكر جاء بأمر وليس منه. وكرّر الشيخ مصطفى قوله، ولكن الشيخ حُسَين رّد عليه بنفس الجواب. بعد قليل حلَّ وقت إقامة وِرْد العصر، فجلس الشيخ والمريدون في الباحة أمام مسجد كَرْبْچْنَه باتجاه القبلة وبدأوا بالذكر. وبينما كانوا يردّدون أوّل أذكار وِرْد العصر، «يا الله يا حيُّ يا قيّوم»، شاهدوا بازاً يأتي من جهة القبلة ويستقرَّ على حافة سطح المسجد فوق مكان جلوس الشيخ حُسَين، علماً بأن جهة القبلة في كَرْبْچْنَه هو اتجاه بغداد، حيث مقام الشيخ عبد القادِر الگيلاني. كان الباز يحرّك رأسه صعوداً ونزولاً، فحين يحنيه يصل إلى رأس الشيخ، وحين يرفعه يسمو عالياً في السماء. وبقي الباز هنالك حتى أكتمل آخر أذكار وِرْد العصر آنئذ، «يا رحيم»، وغاب بعدها. وبعد انتهاء الذكر، التفت السلطان حُسَين إلى الشيخ مصطفى وقال له: «ما تقول الآن»؟ فأقرّ هذا بخطئه.

الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان في جلسة مدائح، مسجد تكية بغداد (تسعينيّات القرن الماضي).

ولوِرْد العصر فائدة روحية كبيرة جداً، ولذلك فشيخ الطريقة غالباً ما يحضره. وأوصى شيخنا من لا يستطيع أن يقوم بهذا الوِرْد في وقته بأن يقضيه، كما هو الحال مع الصلاة. وحتى حين كان شيخنا خارج التكية في وقت ورد العصر، مثلاً في السيارة، فإنه كان يقيمه بشكل فردي.

  1. بعد صلاة المغرب

(أ) لا إِلهَ إِلَّا اللَّـه. [165 مرة]

(ب) سورة الفاتحة. [15 مرة]

(ج) أسْتَغْفِرُ اللَّـهَ العَظيم. [100 مرة]

  1. بعد صلاة العشاء

(أ) لا إِلهَ إِلَّا اللَّـه. [300 مرة]

(ب) لا إِلهَ إِلَّا اللَّـه، مُحَمّدٌ رَسولُ اللَّـهِ، صَلّى اللَّـهُ تَعالى عَلَيهِ وسَلَّمْ، في كل لمحةٍ ونَفَس، عدد ما وَسِعَهُ عِلمُ اللَّـه. [100 مرة]

(ج) اللَّـه. [300 مرة]

(د) سورة الفاتحة. [10 مرة]

(ه) أسْتَغْفِرُ اللَّـهَ العَظيم. [100 مرة]

(و) اللهُمَّ صَلِّ عَلى سَيِّدِنا مُحَمَّد الوَصْفِ والوَحْيِ والرِسالَةِ والحِكْمَةِ وعَلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وسَلِّمْ تَسْليما. [100 مرة]

(ز) سورة الإخلاص: بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. قُلْ هُوَ اللَّـهُ أَحَدٌ. اللَّـهُ الصَّمَدُ. لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ. وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ. [200 مرة]

  1. بعد كل صلاة

(أ) اللهُ حاضري، اللهُ ناظري، اللهُ شاهدٌ عَلَي؛ اللهُ مَعي، اللهُ مُعيني، وهُوَ بِكُلِّ شَيءٍ مُحيط. [3 مرات]

في بداية التسعينيّات، أدخل الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد هذا الذكر، وهو من أوراد الشيخ عبد القادِر الگيلاني الذي تلقّاه من الشيخ معروف الكرخي. ويقول أستاذنا بأن هذا الذكر يجسّد الإحسان،[19] ثالث أركان الدين، الذي وصفه النبي ﷺ بقوله «أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ».[20] ولا يمكن الوصول إلى هذه الدرجة من الوعي بالله إلا عن طريق الكشوفات الربانية التي تقرّب الإنسان من عالم الروح وهو في الحياة الدنيا.

(ب) أسْتَغْفِرُ الله الذي لا إله إلا هو، الرحمن الرحيم، الحيُّ القَيّوم الذي لا يموت، وأتوب إليه، ربِّ اغفر لي. [مرة واحدة]

(ج) اللهُمَّ صَلِّ على سَيِّدنا مُحَمَّدٍ الدُّرِّ الأنْوَرِ، والياقُوْتِ الأبْهَرِ، نُوْرِ اللهِ الأزْهَرِ، وسِرِّ اللهِ الأكْبَرِ، بِعَدَدِ ما في عِلْمِكَ مِنَ العَدَدِ، بِكُلِّ طَرْفَةِ عَيْنٍ مِنَ الأزَلِ إلى الأبَدِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلِّم تسليما. [20 مرة]

أدخل هذه الصلوات إلى أوراد الطريقة أستاذ الطريقة الحاضر الشيخ شمس الدين مُحَمَّد نهرو الكَسْنَزان بتوصية في الرؤيا من أستاذنا الغائب الحاضر الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان.

  1. الصلاة الوصفيّة (أيّ وقتٍ خلال اليوم)

(أ) اللهُمَّ صَلِّ عَلى سَيِّدِنا مُحَمَّد الوَصْفِ والوَحْيِ والرِسالَةِ والحِكْمَةِ وعَلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وسَلِّمْ تَسْليما. [1.000 مرة يومياً]

الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان في لندن (منتصف 2000).

19-3-3 حلقة الذكر

تُقام حلقة الذكر في التكية يومي الاثنين والخميس. ويقف الذاكرون في حلقات متّحدة المركز، ويدير الحلقة أحد الخلفاء. ووَرَدَ في فضائل حلقة الذكر عدد من الأحاديث النبوية الشريفة ومنها قوله ﷺ: «إِذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الْجَنَّةِ فَارْتَعُوا»، فلما سُئِلَ عن هذه الرياض قال: «حِلَقُ الذِّكْرِ».[21] ويروي شيخنا كشفاً وقع له خلال حضوره إحدى حلقات الذكر في التكية الرئيسة في بغداد:

«في إحدى الليالي كنت واقفاً خارج حلقة الذكر حين شاهدتُ — يدري الله (بصحّة ما أقول)، وهو حاضر وناظر وشاهد علينا الآن — خطاً كالحبل الأبيض ينزل من السماء على رأس كل مريد في حلقة الذكر. ثم أروني (المشايخ) بعد ذلك لوحاً كبيراً أمام ساحة التكية التي كان فيها الذكر، وكانت في هذا اللوح حلقات دائرية في كل منها اسم. وقالوا لي بأن أسماء كل المريدين الذين يحضرون الذكر مكتوبة في هذا اللوح».[22]

وبشّر مشايخ الطريقة أستاذنا خلال عيد الفطر في شهر آب من عام 2012 بأنه عندما يحضر الدرويش الكَسْنَزاني حلقة الذكر في ليلة الاثنين أو الخميس ويشارك في جلسة المديح فإنه يخرج منها طاهراً من الذنوب.[23]

وتتكوّن حلقة الذكر الكَسْنَزاني من قسمين، ترافق ثانيهما إيقاعات خاصة من آلتي الطبلة والدف. ومن المعروف أن أقدم استخدام إسلامي للدف كان حين استقبل أهل يثرب الرسول المهاجر ﷺ بأُمْدُوحَة «طلع البدر علينا» الخالدة.[24] أما الطبلة، فقد أدخلها إلى حلقة الذكر الشيخ عبد القادِر الگيلاني، ولذلك تُعرَف باسم «طبلة الگيلاني» أو «طبلة الباز»، نسبة إلى لقب «الباز الأشهب» للشيخ عبد القادِر.

الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان في جبال كردستان، شمال العراق (النصف الأول من العقد الأول من هذا القرن).

وفيما يلي أذكار حلقة الذكر، علماً بأن الذكر الذي ليس أمامه عدد معيّن يُذكَر بضع مرّات حسب تقدير الخليفة الذي يدير الحلقة:

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.

اللهُمَّ صَلِّ وسَلِّم وزِد وبارِك على النبي مُحَمَّد وآلِ مُحَمَّد سَيِّدِ الرِّجالِ المُفَضَّل، يا بَحْرَ الكَمالِ يا مُحَمَّد. [3 مرات]

يا دائِمَ الفضلِ على البريَّة، يا باسِطَ اليدينِ بالعطية، يا صاحب المواهب السَّنِيَّة، صلِّ على محمد خيرِ البريَّة، واغفر لنا يا ربنا في هذه العشيَّة. [10 مرات]

الله، أَسْتَغْفِرُ اللَّـهَ، دائم أَسْتَغْفِرُ اللَّـهَ.

لَكَ الحمدُ يا قدّوس، لا اِله اِلاّ الله.

يا اللَّـهُ دائِم اللَّـهُ.

يا دائِم اللَّـهُ دائِم.

يا حَي أنتَ الحي، لَيسَ الباقي اِلاّ الحَي.

يا باقي أنتَ الباقي، لَيسَ الباقي اِلاّ اللَّـهُ.

يا هادي أنتَ الهادي، لَيسَ الهادي اِلاّ اللَّـهُ.

اللهُمَّ يا حَيُّ ويا قَيّوم، يا بَديعَ السمواتِ والأرضْ، يا مالكَ المُلكِ ويا مَلِكَ الملوكْ، يا ذا الجلالِ والاِكرامْ، نَسألُكَ اللهُمَّ يا رَبَّنا ان تُحييَ قُلوبَنا وسَمْعَنا وأبْصارَنا وأرْواحَنا بِنورِ معرِفتك، أبداً دائماً، باقياً، هادياً، يا الله.

يا اللَّـهُ.

يا اللَّـهُ، دائِم اللَّـهُ.

يا دائِم، اللَّـهُ دائِم.

اللَّـهُ، اللَّـهُ، اللَّـهُ هُو هُو، هُو اللَّـهُ، هُو.

اللَّـهُ، اللَّـهُ، اللَّـهُ هُو هُو، هُو اللَّـهُ.

يا كَريم.

يا اللَّـهُ.

يا دائِم.

يا كَريم.

يا سَتّار.

يا رَحمَن.

يا رَحيم.

يا اللَّـهُ.

حَي اللَّـهُ اللَّـهُ.

بِسْمِ اللَّـهُ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. قُلْ هُوَ اللَّـهُ أَحَدٌ. االلَّـهُ الصَّمَدُ. لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ. وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ.

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.

مَدَد يا اللَّـهُ.

مَدَد يا سَيِّدَنا ونَبيَّنا وشَفيعَ ذُنوبِنا. يا صاحِبَ الآياتِ والمُعْجِزاتِ، ويا صاحِبَ دَلائلِ الخَيْراتِ وخَوارقِ العادات، ويا سَيِّدَ السادات، حَبيبَ رَبِّ العالَمين وخاتَمَ النَبيينَ وسَيِّدَ المُرسَلين. الحَمْدُ للهِ رَبِّ العالَمين حَمْداً أزَليّا بِأَبدِيَّتِه وأَبَدِيّا بِأَزَليّتِه، سَرْمَدا بإطلاقِه، مُتَجلِّيا في مَرايا آفاقِه، حَمْدَ الحامِدين ودَهْرَ الداهرين. صَلواتُ اللَّـهِ ومَلائكَتِهِ وحَمَلَةِ عَرْشِهِ وجَميعِ خَلْقِهِ مِن أرضِهِ وسَمائِهِ على سَيِّدِنا ونَبيِّنا، أصْلِ الوُجود وعَيْنِ الشاهِدِ والمَشْهود، وأوَّل الأوائِل، وأدَلِّ الدَلائل، ومَبدَءِ الأنوارِ الأزليّ ومُنتَهى العُروجِ الكَمالِي، غايَةِ الغايات، المُتَعَيَّنِ بالنَشأت، أبِ الأكوانِ بفاعِلِيَّتِهِ وأمِّ الإمكانِ بقابِلِيَّتِه، المَثلِ الأعلى الإلهي، هَيُوليِّ العَوالِمِ غَيرِ المُتناهي، روحِ الأرواحِ ونورِ الأشباح، فالِقِ إصباحِ الغَيبِ ورافِعِ ظُلْمَةِ الريب، مُحتَدِ التِسعَةِ والتِسْعين، رَحمةٍ للعالَمين، سَيِّدِنا في الوجود، صاحِبِ لِواءِ الحَمْدِ والمَقامِ المَحْمود، المُبَرْقَعِ بالعَماء، حَبيبِ اللَّـهِ مُحَمَّد المُصطفى صَلّى اللَّـهُ تعالى عَلَيه وسلّم. مَدَد.

مَدَد يا سَيِّدي وسَنَدي ومُرشِدي وتاجَ رَأسي ونورَ عيني، فارِسَ المَشارِقِ والمَغارِب، صاحِبَ مُظْهِرِ العَجائِبِ والغَرائِب، أسَدَ اللهِ الغالِب. وَعَلى سِرِّ الأسرارِ ومَشْرِقِ الأنْوار، المُهَنْدِسِ في الغُيوبِ اللاهوتِية. أُنموذَجِ الواقِعِ وشَخْصِ الإطلاقِ، المُنْطَبِعِ في مَرايا الأنفُسِ والآفاق، سِرِّ الأنبياءِ والمُرسَلين، سَيِّدِ الأوصِياءِ والصِدّيقين. الصورةِ الإلهية، مادّةِ العلومِ غيرِ المُتَناهية، الظاهِرِ البُرهان، الباطِنِ بالقَدْرِ والشَأن، بسملةِ كتابِ الوجود، حَقيقَةِ النُقْطَةِ البائيّة، المُتَحَقِّقِ بالمَراتِبِ الإنسانِية، حَيدَرِ آجامِ الإبداع، الكَرّارِ في مَعارِكِ الاختراع، السِرِّ الجَلي والنَجْمِ الثاقِب، إمامِ الأئمةِ عَلي بن أبي طالب عَليهِ الصَلاةِ والسَلام. مَدَد.

ومنه مَدَد عن طَريقِ الجَناحين، آل النبوة عليهم السلام والمشايخ الكرام.

مَدَد يا سَيِّدي وسَنَدي ومُرشِدي وتاجَ رَأسي ونورَ عيني، القُطبَ الربّاني والهَيْكَلَ الصَمَداني، والقَنديلَ النَوْراني، والسِرَّ السُبْحاني، جامِعَ الأسرارِ والمَعاني، شَيْخَ الإنسِ والجان، مُحيي السُنَّةِ والدين، بازَ الله الأشْهَب، أبا صالِح، حَضْرَة السَيِّد الشَيْخ الغَوْث عَبدَ القادِر الكيلاني قَدَّسَ الله سِرَّهُ. مَدَد.

مَدَد يا سَيِّدي وسَنَدي ومُرشِدي وتاجَ رَأسي ونورَ عيني، العارِفَ بالله حَقَّ العِرفان، وخادِمَ القُرآنِ من نَسلِ عدنان، صاحِبَ مَراتِبِ الكَمال، حَضْرَة السَيِّد الشَيْخ الغَوْث إِسماعيل الولياني قَدَّسَ الله سِرَّهُ. مَدَد.

مَدَد يا سَيِّدي وسَنَدي ومُرشِدي وتاجَ رَأسي ونورَ عيني، السِرَّ السُبحاني، جامِعَ الأسرارِ والمَعاني، شَيْخَ الإنسِ والجان، ومُرشِدَ الزمان، مَنْبَعَ العِلمِ والعِرفان، حَضْرَة السَيِّد الشَيْخ الغَوْث عبد الكريم شاه الكَسْنَزان قَدَّسَ الله سِرَّهُ. مَدَد.

مَدَد يا سَيِّدي وسَنَدي ومُرشِدي وتاجَ رَأسي ونورَ عيني، شَيْخَ الكَسْنَزان، شَيْخَ الأصاغِرِ والأكابِر، في دينِ اللهِ مُهاجِر، حَضْرَة السَيِّد الشَيْخ الغَوْث عبد القادِر الكَسْنَزان قَدَّسَ الله سِرَّهُ. مَدَد.

مَدَد يا سَيِّدي وسَنَدي ومُرشِدي وتاجَ رَأسي ونورَ عيني، شَيْخَ الكَسْنَزان، غَوْثَ الثَقَلَين، مُرَبّيَ المُريدين وقُدوَةَ السالِكين، حَضْرَة السَيِّد الشَيْخ الغَوْث حُسَين الكَسْنَزان قَدَّسَ الله سِرَّهُ. مَدَد.

مَدَد يا سَيِّدي وسَنَدي ومُرشِدي وتاجَ رَأسي ونورَ عيني، العارِفَ بالله حَقَّ العِرفان، صاحِبَ مَراتِبِ الكَمال، ويا شَيْخَ الإنسِ والجان، حَضْرَة السَيِّد الشَيْخ الغَوْث عبد الكريم الكَسْنَزان قَدَّسَ الله سِرَّهُ. مَدَد.

مَدَد يا سَيِّدي وسَنَدي ومُرشِدي وتاجَ رَأسي ونورَ عيني، العارِفَ بالله حَقَّ العِرفان، صاحِبَ مَراتِبِ الكَمال، شَيْخَ الإنسِ والجان، سُلْطانَ الزَمان وبَدْرَ الكَسْنَزان، حَضْرَة السَيِّد الشَيْخ السلطان الخليفة الغَوْث مُحَمَّد المُحَمَّد الكسنزان قَدَّسَ الله سِرَّهُ. مَدَد.

مَدَد يا سَيِّدي وسَنَدي ومُرشِدي وتاجَ رَأسي ونورَ عيني، العارِفَ بالله حَقَّ العِرفان، شمس الكَسْنَزان وحبيب السلطان، شَيْخَ الإنسِ والجان، أستاذنا الحاضر، رَئيسَ الطَريقةِ العَلِيّة القادِريّة الكَسْنَزانيّة، حَضْرَة السَيِّد الشَيْخ شمس الدين مُحَمَّد الكَسْنَزان قَدَّسَ الله سِرَّهُ. مَدَد.

كُلُّكُم عونٌ وغوثٌ ومَدَد.

[الآن تشترك الطبلة والدف].

حَي اللَّـهُ، حَي اللَّـهُ.

حَي، اللَّـهُ، حَي، اللَّـهُ.

حَي، حَي، حَي اللَّـهُ.

دائِم، دائِم.

حَي، حَي، حَي، اللَّـهُ.

دائِم، دائِم.

[بعد حين يجلس الذاكرون على الأرض وبعدها بقليل تتوقّف الطبلة والدف]

يا اللَّـهُ يا حَيُّ يا قَيّوم.

على جد الحسن والحسين سيدنا ونبينا محمد الصلوات.

اللهُمَّ صَلِّ وسَلِّم وزِد وبارِك على النبي مُحَمَّد وآلِ مُحَمَّد سَيِّدِ الرِّجالِ المُفَضَّل، يا بَحْرَ الكَمالِ يا مُحَمَّد.

على صاحب الآيات والمعجزات سيدنا ونبينا محمد الصلوات.

اللهُمَّ صَلِّ عَلى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ الوَصْفِ والوَحْيِ والرِسالَةِ والحِكْمَةِ وعَلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وسَلِّمْ تَسْليما.

الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان في بغداد (منتصف التسعينيات).

كانت حلقة الذكر تنتهي بالفصل الأول من ذكر «دائِم، دائِم». ولكن في ظهر أحد الأيام كان الشيخ عبد الكريم الكَسْنَزان جالساً قرب حوض شاه الكَسْنَزان في كَرْبْچْنَه حين أقبل عليه من جهة القبلة الشيخ أحمد الرفاعي. فقام الشيخ عبد الكريم وسلّم عليه. ثم قدّم الشيخ أحمد الرفاعي للشيخ عبد الكريم خاتماً وطلب منه أن يأخذه، ولكن الشيخ عبد الكريم قال له بأن ما لديه يكفي، وكرّر الشيخ أحمد الرفاعي طلبه، وكرّر الشيخ عبد الكريم جوابه، فمدّ الشيخ أحمد الرفاعي يده ووضع الخاتم في جيب الشيخ عبد الكريم، وقال له بأن هذا «أمر»، أي أنه مأمور بإعطاء الخاتم إلى الشيخ عبد الكريم. بعد هذا الحادث أضاف الشيخ عبد الكريم ذكر «حَي، حَي، حَي، اللَّـهُ» تيمّناً بهديّة الشيخ أحمد الرفاعي إلى الطريقة الكَسْنَزانيّة، وأضاف بعد الذكر الجديد فاصلاً ثانياً من ذكر «دائِم، دائِم» ليبقى هذا الذكر الذي تُختَم به حلقة الذكر.

بالإضافة إلى أذكار الطريقة الثابتة، أي اليومية والدائمة وحلقة الذكر، يعطي مشايخ الطريقة أوارداً وقتيّة لأغراض مختلفة، أحياناً لجميع الدراويش، وفي حالات أخرى لمجموعة معينة منهم، وفي أخرى لدراويش منفردين.

19-4 الصلاة على النبي ﷺ

كان شيخنا يؤكّد باستمرار على أهمية الصلاة على الرسول ﷺ ويحثّ المريدين عليها، ويصفها بأنها «أعظم هدية لأمة الرسول ﷺ».[25] فالصلوات على الرسول ﷺ تتحوّل إلى حب له ﷺ في قلب المريد، وهذا الحب يتحوّل بدوره إلى حب لله عز وجل. [26]وكان يستشهد بالآية الكريمة: ﴿إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ (الأحزاب/٥٦)، مبيّناً بأن الصلاة على النبي ﷺ هي «صفة الله». وعلّق بأن «الأمر الرباني في الآية الكريمة جاءنا بصورة قرآنية جديدة تتميز وتختلف عن بقية صيغ الأوامر الربانية الأخرى في القرآن الكريم» التي تبدأ بالأمر مباشرة، مثل قوله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (البقرة/183). واستطرد مفسّراً:

«ولكن حينما كان الأمر بالصلاةِ على رسول الله ﷺ جاء الأمر بصيغةٍ أُخرى، فابتدأ الله عز وجل هذه الآية الكريمة بقوله: ﴿إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ﴾، ليشير إلى أنَّ مقامَ الصلاةِ على النبي ﷺ مقامُ تشريفٍ للعبادِ إضافةً إلى أنه مقامُ تكليفٍ يُراد به طلبُ الفعل. فالصلاةُ على النبيِّ ﷺ مقامُ تشريف وتكليف في آن واحد، فكأن الله عز وجل يقول لعبده: «أنا أًصلّي على حبيبي، وملائكتي يصلّون على حبيبي، فإذا صَلّيتَ عليه كنتَ حاضراً معي ومع ملائكتي في هذا المقام الرفيع»».[27]

الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان في كركوك (منتصف التسعينيات).

كان الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد كثير التذكير بالأحاديث الشريفة في فضل الصلاة على الرسول ﷺ كقوله: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا».[28] ومن أقواله في عظمة الصلاة على النبي ﷺ: «لا يعرف أسرار الصلاة سوى الله والرسول ﷺ والراسخون في علم الروح». كما كان يؤكّد على أن أي دُعاء يجب أن يُسبَق ويُتَخَلَّل ويُختَم بالصلاة لكي يُستَجاب، فيجب «تغليف» الدعاء بالصلاة على النبي ﷺ. [29]

وبُشِّر شيخنا قبل الساعة الثالثة من فجر يوم 11 آب 2017 بأنه ما إن ينوي الشخص الصلاة على الرسول ﷺ ويجهز نفسه وسبحته لها حتى يغفر الله تعالى له ذنوبه ببركة الرسول ﷺ. ووصف الصلوات على النبي ﷺ بأنها باب قضاء الحاجات وحل المشاكل، فكان ينصح الدراويش الذين يخبرونه عن حاجات لهم وصعوبات ومشاكل بأن يُكثِروا من الصلاة على الرسول ﷺ. وكان دائم الحديث في مواعظه عن خصوصيّة الصلاة على النبي ﷺ، كما في هذه الموعظة:

«دائماً طيّبوا عبادتكم، نومكم، أكلكم، شربكم، عملكم، ذهابكم وإيابكم، صلاتكم — طيّبوها كلّها بالصلوات على حضرة الرسول ﷺ. إن مفتاح كل شيء، كل القضايا الروحية الموجودة، النازلة من الله سبحانه وتعالى، هو الصلوات على حضرة الرسول ﷺ. هي مفتاح كل شيء، مفتاح الدنيا والآخرة، مفتاح الجنة، مفتاح السماء، مفتاح الأرض، مفتاح قبول الدعاء، مفتاح قبول العبادة، مفتاح الذكر. فالصلوات على حضرة الرسول ﷺ هي نواة كل العبادات الموجودة في الإسلام، لأنها صفة الله، حيث أمَرَ: ﴿إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ﴾، يأمر أهل الإسلام، أهل الإيمان: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾. لذلك دائمًا نوّروا قلوبكم، وأعمالكم، ونومكم، ويقظتكم، وأكلكم، وشربكم، وكل حركة لكم نوّروها بالصلوات وسترون ما ينكشف لكم. فإن شاء الله تكونوا دائمًا في حفظ الرحمن، في حفظ حضرة الرسول ﷺ». [30]

الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان في الخلوة في أسفل جبل سَه گَرمه في كَرْبْچْنَه (1978).

وهنالك ما لا يُحصى من الكرامات عن بركة الصلاة على النبي ﷺ. رأى الشيخ عبد الكريم في ليلة نوراً يصعد من بيت مقابل لبيته في كركوك ويصل إلى العرش، وبقي هذا النور حتى وقت الفجر. فأرسل في الصباح في طلب ساكن البيت وهو درويش اسمه «عبد الله» (رحمه الله). ولما سأله عمّا كان يعمله في الليلة الماضية، قلق الدرويش من السؤال، ظنّاً بأن فيه اتّهاماً له، فأنكر عمله لأي أمر سيئ. فكرّر الشيخ عبد الكريم سؤاله بصيغة مطمئنة بأن سأله إن كان جالساً أو أنه كان يصلّي أو يقوم بعمل معيّن، فأجاب الدرويش بأنه كان يقرأ كتاب «دلائل الخيرات»، وهو كتاب جمع فيه مُحَمَّد بن سليمان الجَزْوْلي صيغاً مختلفة للصلاة على الرسول ﷺ، وكان الشيخ عبد الكريم قد أجاز للدراويش قراءته. فكانت قراءة الدرويش للصلوات على النبي ﷺ هي سبب ذلك النور المستمر الصاعد من بيته إلى السماء. ونشر الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد في عام 1990 أيضاً كتاباً عنوانه «الصلوات الكَسْنَزانيّة» جمع فيه عدداً من صيغ الصلاة على رسول الله ﷺ. وكان له أيضاً مشروعاً مستمراً لجمع مختلف صيغ الصلوات على النبي ﷺ.

في ثمانينيّات القرن الماضي، بلّغ مشايخ الطريقة أستاذنا بهذه الصلاة الجديدة على النبي ﷺ: «لا إله إلا الله، مُحَمَّد رسول الله، صلّى الله تعالى عليه وسلم». وأضاف إليها في عام 2006 عبارة «في كل لمحةٍ ونَفَس، عدد ما وَسِعَهُ عِلمُ اللَّـه» فأصبحت صيغة الصلاة هي «لا إِلهَ إِلَّا اللَّـه مُحَمّدٌ رَسولُ اللَّـهِ صَلّى اللَّـهُ تَعالى عَلَيهِ وسَلَّمْ، في كل لمحةٍ ونَفَس، عدد ما وَسِعَهُ عِلمُ اللَّـه». وهذه الصلاة هي من ضمن الأذكار اليومية بعد صلاتي الفجر والعِشاء.

الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان في حلقة الذكر، ربما في تكية بغداد (منتصف التسعينيات).

وفي الشهر السابع من عام 1996، أُكرِمَ شيخنا بالصلاةٍ الوصفية التي وصفها في حينها بأنها «خاتمة الصلوات الكَسْنَزانِيّة». وفي أهمية هذه الصلاة التي اختصّ بها الله عز وجل الطريقة الكَسْنَزانيّة يقول شيخنا:

«نحن لدينا الصلاة الوصفية: «اللهُمَّ صَلِّ عَلى سَيِّدِنا مُحَمَّد الوَصْفِ والوَحْيِ والرِسالَةِ والحِكْمَةِ»، هذه كلّها مُحَمَّد، «وعَلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وسَلِّمْ تَسْليما». لا تنسوا بأن تكون هي أول ما تبدأون به أمور حياتكم، قبل أن تأكلوا، قبل أن تشربوا، قبل أن تناموا، وحالما تستيقظون. أبدءوا كل شيء بالصلاة على حضرة الرسول ﷺ، لأن الرسول ﷺ هو ﴿بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ (التوبة/128). أنت تستفاد حين تقرأ الصلاة، كما تقول هذه الآية الكريمة، لأنه رؤوف رحيم بك يا مريد يا مؤمن».[31]

ويأتي اسم هذه الصلاة بـ «الوصفية» من كونها تصف النبي ﷺ بأنه «الموصوف الكامل»، و «الوحي الإلهي»، و «رسالة الله إلى الناس»، و «الحكمة الربّانية». فما أنزل الله عز وجل من أوصاف جميلة ووحي ورسالة وحكمة تجسّدت كلّها في النبي مُحَمَّد ﷺ.

وأضاف شيخنا مئة مرة من الصلاة الوصفية إلى الذكر اليومي بعد صلاة العشاء. كما حلّت الصلاة الوصفية محل الذكر اليومي غير المقرون بوقتٍ معين «اللهُمَّ صلِّ على سيِّدنا محمّد وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلِّم تسليما» الذي يُقرأ يومياً ألف مرة على الأقل، كما أخذت الصلاة الوصفيّة محلّ هذه الصلاة أيضاً في الأذكار الدائمة.

وبسبب القوة الروحية الخاصة للصلاة الوصفية كان الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد يأمر الدراويش أحياناً في ظروف معيّنة بأن يقوموا بختمة منها، أي قراءتها مائة ألف مرّة.

الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان يقرأ القرآن الكريم، ربما في تكية السليمانية (النصف الأول من العقد الأول من هذا القرن).

19-5 حزب الواو

إن الفرق بين الوِرْد والحزب، هو أن الأول هو ذكر يُقرأ بشكل دوري، مثلاً يوميا، بينما الحزب هو ذكر يقرأه الذاكر حين يشاء، مثلاً بِنيّةِ قضاء حاجةٍ ما. يقول شيخنا بأنه ورد على قلبه بأن للكثير من المشايخ أحزاباً خاصة بهم ولكنه لم يكن له حزب، فمّن عليه الله عز وجل في عام 2013 بحزب خاص هو «حزب الواو». ووصفَ هذا الحزب بأنه «بأمر من الله إلى حضرة الرسول ﷺ، إلى المشايخ، والمشايخ بلّغوني به».[32] ويجمع هذا الحزب كل الآيات القرآنية التي تبدأ بحرف الواو، وعددها 2.128 آية، متسلسلة حسب ورودها في المصحف، فأولى الآيات هي ﴿وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾ (البقرة/4) وأُخراها هي ﴿وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ﴾ (الفلق/5). وقد وصف شيخنا حزب الواو بأنه «شيء عظيم».

إن في أذكار الطريقة الكَسْنَزانيّة بركة عظيمة، حيث يقول شيخنا بأن المريد يستطيع أن يحصل على كل ما يريد من بركة أو قضاء لحاجة بالتزامه بأوراد الطريقة.

[1] البيهقي، شعب الإيمان، ج 3، ح 2807، ص 39.

[2] البخاري، الجامع الصحيح، ج 3، ح 7129، ص 693.

[3] مسلم، صحيح مُسلم، ج 4، ح 2700، ص 2074.

[4] البيهقي، شعب الإيمان، ج 1، ح 523، ص 396.

[5] البخاري، الجامع الصحيح، ج 3، ح 6180، ص 474.

[6] البيهقي، شعب الإيمان، ج 1، ح 526، ص 397.

[7] أي يكاد أن لا يكون لهم وجود حين يكونون مع غير الله، أي مع الناس، لأنهم لا يحبّون الانشغال بغيره عز وجل.

[8] البيهقي، شعب الإيمان، ج 1، ح 680، ص 451.

[9] الشيخ عبد القادِر الگيلاني، الفتح الرباني والفيض الرحماني، ص 22.

[10] الشيخ عبد القادِر الگيلاني، جلاء الخاطر، ص 45.

[11] الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان، موعظة، 19 أيلول 2012.

[12] الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان، موعظة، الثلث الأخير من 10/2013.

[13] السكندري، حكم ابن عطاء الله، ص 87-89.

[14] الترمذي، الجامع الكبير، ج 1، ح 410، ص 435-436.

[15] مالك، موطأ الإمام مالك، ج 2، ح 726، ص 300.

[16] البخاري، الجامع الصحيح، ج 1، ح 419، ص 158.

[17] الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان، موعظة، 12 أيار 2000.

[18] الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان، موعظة، 2 شباط 2018.

[19] الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان، موعظة، 22 كانون الثاني 2010؛ 4 آب 2013.

[20] البخاري، الجامع الصحيح، ج 1، ح 50، ص 65.

[21] الترمذي، الجامع الكبير، ج 5، ح 3510، ص 488.

[22] الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان، موعظة، 27 أيلول 2012.

[23] الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان، موعظة، 28 أيلول 2012؛ 5 كانون الأول 2012.

[24] البيهقي، دلائل النبوة، ج 2، ص 506-507.

[25] الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان، موعظة، 12 أيلول 2013.

[26] الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان، موعظة، 3 أيلول 2017.

[27] الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان، الطريقة العَلِيّة القادِريّة الكَسْنَزانِيّة، ص 14-15.

[28] مسلم، صحيح مُسلم، ج 1، ح 408، ص 306.

[29] الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان، موعظة، 3 تشرين الأول 2013.

[30] الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان، موعظة، 20 آذار 2014.

[31] الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان، موعظة، 18 تشرين الأول 2013.

[32] الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان، موعظة، 12 أيلول 2013.

لؤي فتوحي 2004-2021. جميع الحقوق محفوظة.
 http://www.facebook.com/LouayFatoohiAuthor
 http://twitter.com/louayfatoohi
 http://www.instagram.com/Louayfatoohi

Share