الفصل (1) الطَّريقةُ: الطَّريقُ إلى اللهِ

Share

الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان في جلسة مدائح في تكية عمّان، الأردن (5 كانون الثاني 2019).

«طريق الله عز وجل ليس فيها أنا وليَ ومعي؛ كل هذه الطريق محو وفناء. في البداية عند ضعف الإيمان «لا إله إلاّ الله»، وفي النهاية عند قوّة الإيمان «لا إله إلاّ أنت» لأنه مُخاطِبُ حاضِرٍ مُشاهَدٍ».

الشيخ عبد القادِر الگيلاني (الفتح الرّبّاني والفيض الرحماني، المجلس الثاني والستون، ص 266) 

يعني تعبير «الطريقة» في اللغة «المنهج» أو «المسار» الذي يوصِل إلى مكان أو شيء ما. أما المعنى الاصطلاحي لهذا التعبير القرآني فهو «الطريق إلى الله»:

﴿وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا﴾ (الجن/16).

وباستخدام منهج التفسير المعروف «القرآن يفسّر بعضه»،[1] يستبين مفهوم الطريقة بشكل لا لَبْسَ فيه عند ربط فعل الاستقامة عليها هذا بأمر الاستقامة في آيات أخرى:

﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ (هود/112).

﴿فَلِذَٰلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ﴾ (الشورى/15).

﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّـهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ﴾ (فُصِّلَت/30).

﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّـهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ (الأحقاف/13).

فالطريقة إذاً هي الصراط المستقيم الذي أشار إليه الله عز وجل في الكثير من المواضع في كتابه الكريم، ومنها قوله:

﴿قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ (الأنعام/161).

وهذا الطريق إلى الله هو تحديداً طريق القرآن العظيم وسُنّة خاتم النبيّين سيدنا مُحَمَّد ﷺ، الذي سار عليه بعده آل بيته وصحابته الكرام ومن حمل راية الإسلام من بعدهم كمشايخ التصوّف الذين أفنى كل منهم عمره في إرشاد الناس إلى الطريق إلى الله وزرع حب الله ورسوله الكريم ﷺ في قلوبهم.

الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان في كَرْبْچْنَه (التسعينيات).

1-1 رحلة الإسلام فالإيمان فالإحسان

إن الطريق إلى الله قائم على أركان ثلاثة: الإسلام، والإيمان، والإحسان. وقد فسّر النبي ﷺ دعائم الدين الثلاثة هذه فوصف «الإسلام» بقوله: «أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكَ بِهِ، وَتُقِيمَ الصَّلاَةَ، وَتُؤدّي الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ»، وقال عن «الإيمان»: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ، وَمَلاَئِكَتِهِ، وَبلِقَائِهِ، وَرُسُلِهِ، وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ»، فيما عرّف أقوى أركان الدين، «الإحسان»، قائلاً: «أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ».[2] ويلخّص الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان هذه الأركان بقوله: «فالإسلام إطاعة وعبادة، والإيمان نور وعقيدة، والإحسان مقام مراقبة ومشاهدة».[3] فالإسلام هو ممارسات تعبّدية، والإيمان هو التصديق بالفكر الذي هو أساس تلك العبادات، وهما ركنا الدين المألوفان لدى كل المسلمين. أما الإحسان فهو حالة روحية خاصة يعيشها المسلم المؤمن حين ينعم الله عليه بكشوفات تطلعه على حقائق من عالم الروح لا يدركها من لم يصل إلى تلك الحالة. وبسبب هذه الكشوفات الروحية يصبح للعابد الواصل إلى مرتبة الإحسان وعياً دائماً بالله فيكون في حضور مستمر معه، فيعيش حقيقة أنه عز وجل موجود في كل مكان ولا يغيب عنه شيء في الأرض ولا في السماء: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ﴾ (الحديد/4). ويعكس أحد الأذكار اليومية للطريقة الكَسْنَزانية حال الإحسان: «اللهُ حاضري، اللهُ ناظري، اللهُ شاهدٌ عَلَي؛ اللهُ مَعي، اللهُ مُعيني، وهُوَ بِكُلِّ شَيءٍ مُحيط».[4]

ولنأخذ مثالاً يسهّل التمييز بين من جمع الإسلام والإيمان فقط وبين من أنعم الله عليه أيضاً بحال الإحسان. نعلم من القرآن الكريم والسيرة النبوية الشريفة بأنه في السنة الثانية من هجرة الرسول ﷺ إلى المدينة أذِنَ الله للمسلمين بالدفاع المسلَّح عن حقّهم الطبيعي في عبادته واتّباع الدين الذي اختاره لهم ضد الكفار الذين حاربوهم بكل وسيلة وأرادوا أن يحرموهم من حقّهم هذا: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّـهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾ (الحج/39). وكان إسلام المقاتلين وإيمانهم سبباً في نصر الله لهم. لكننا نعلم أيضاً بأن أحد المظاهر الرئيسة لهذا النصر الإلهي التي حسمت المعارك المختلفة لصالح المجاهدين المسلمين في دفاعهم المسلّح ضد الظالمين هو دعم الله لهم بملائكة:

﴿إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيَكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُنزَلِينَ (124) بَلَىٰ إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ﴾ (آل عمران/124-125).

﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾ (الأنفال/9).

﴿إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ﴾ (الأنفال/12).

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا) (الأحزاب/9).

الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان يعطي البيعة في محل إقامته خلال زيارته لندن (2000).

وبينما آمن كل المسلمين بوعد الله لهم بأن يمدّهم بملائكة، فقد كان منهم أيضاً من شاهد هذا التدخّل الملائكي. أي آمنوا كلّهم بتدخل عالم الروح في كفاحهم المسلح ضد من ظلمهم، لكن بعضهم فقط رأى بأمّ عينه هذا العون. فالفرق بين المسلم المؤمن وبين من جادَ عليه الله فوق إسلامه وإيمانه بمقام الإحسان هو كالفرق بين من آمن بنصر الله للمسلمين بالملائكة من غير أن يَرَهُم ومن كان إيمانه مَدعوماً برؤيته لهم وَهُم يتدخّلون في القتال. فمثل هذا القرب من عالم الروح هو الذي يجعل المسلم المؤمن يعبد الله كأنه يراه، كما قال النبي ﷺ. فالصوفي لا يتوقف عند الإسلام والإيمان، وإنما مراده الوصول إلى مقام الإحسان.

فسلوك الطريق إلى الله لا يهب المرء علوماً عقليّة فقط، ولكن يكشف له أيضاً أسراراً روحيةً وحقائقَ لا يمكن اكتشافها إلا بالخبرة المباشرة. ولذلك يُشبَّهُ التصوّف بالتذوّق، فمن لا يذقه بالممارسة لا يمكن أن يعرف حلاوة طعمه، ومن لا يمارسه لا يفهم حقيقته ولا يطّلع على أسراره، وإنْ دَرَسَه طول عمره. فالفرق بين «دراسة» التصوّف و «ممارسته» هو كالفرق بين القراءة والسماع عن الكرامات ومعاينة هذه الخوارق بشكل مباشر؛ وكالفرق بين القراءة والسماع عن عالم الروح وأسراره وتلقّي فتوحات روحية مباشرة. وإذا عدنا إلى مثلنا القرآني أعلاه، فإنه كالفرق بين القراءة والسماع عن تدخّل الملائكة في القتال ضد الكفّار وشهود ذلك التدخّل.

وحتى من قَدَّر الله له أن يكون شيخ الطريقة في المستقبل، وكُشِفَت له ولغيره إشارات جليّة وخفيّة عن هذا القدر المستقبلي، فإن أبواب عالم الروح لا تُفتَح أمامه حتى يبدأ في سلوك التصوّف. ويقول شيخنا في هذا السياق بأنه قرأ الكثير من كتب التصوّف في عصر والده الشيخ عبد الكريم، ولكنّ تلك الكتب لم تعطه سوى معلومات عن عالم التصوّف من خارجه. ولكن بعد وفاة الشيخ عبد الكريم وجلوسه على سَجّادة الطريقة وسلوكه لمنهجها انفتحت أمامه أبواب عالم الروح وبدأت أسراره تُكشَف له.[5]

ومثلما لا يمكن الوصول إلى هذه الأسرار إلا بالسلوك الصوفي، فإن منها ما لا يمكن البوح بها لغير أهلها. فقد يسمع السالك يوماً أمراً أو يرى شيئاً من هذه الأسرار فيخبر به شيخه، فيعلّق الشيخ عليه أو يضيف إليه شيئاً. ولكن الشيخ ما كان سيحدّث ذلك الدرويش عن ذلك السرّ من غير أن يصل إليه بالسلوك. ويقول شيخنا مخاطباً الدرويش في هذا الأمر: «إنني أحدّثك عن الطريق إلى الله لا لكي تعلم فقط، ولكن لكي تعمل»، أي لكي يسلك المريد على الصراط المستقيم.

الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان يشرف على أعمال بناء (أول سنين القرن الحالي).

2-1 تكامل الطريقة والشريعة

يؤكّد الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد على علاقة التكامل بين الطريقة والشريعة. فالشريعة تختص بأحكام العبادات والمعاملات وأوجه الحياة بشكل عام، ولذلك لا يمكن أن يكون الإنسان مسلماً بدون الالتزام بالشريعة. فالإسلام كيان أساسه الشريعة وبناؤه الطريقة، فلا يمكن للبناء أن يقوم من غير أساس، كما أن أهمية الأساس هي فيما يُبنى عليه. ومن التعابير الرمزية التي كثيراً ما استخدمها شيخنا لشرح العلاقة التكاملية بين الشريعة والطريقة وكونهما يمثلان جانبي الإسلام هي وصفه للشريعة بالإطار والطريقة بالنواة والجوهر، وكذلك الشريعة بالجسد والطريقة بالروح. فمن أقواله في هذا المجال في مجالس إرشاده للمريدين:

«الشريعة أساس كل الطرق الصوفية. أي درويش، أي مريد، أي شيخ، أي عالم ديني، أو أي خليفة يخالف الشريعة المُحَمَّدية، ولو بقدر شعرة، فهو مخالف لطريقته».[6]

«نحن كلنا جنود الرسول ﷺ، جنود الشريعة، لأنها أساسنا. لا تخالفوا شريعة الرسول ﷺ، لا تدَعوا آخرين يغووكم بشأن ما هو مباح. نحن لدينا سُنّة الرسول، الكتاب والسُّنّة، لدينا مبادئ الطريقة. إن ما هو حلال في الطريقة هو حلال في الشريعة، لأنه ليس لدى المشايخ انحرافات، لأنهم سائرون على منهج الرسول. إذا حدث لدينا أي خطأ، أي خلل، فهم يبلّغوننا. مشايخكم هم مشايخ حق، لا كمن يدّعي كَذِباً بأنه شيخ طريقة، لا والله».[7]

«إن أساس طريقتكم هو شريعة الرسول ﷺ، فمن لديه نقص في الشريعة لديه نقص في الطريقة. فالشريعة هي تاج رأس المريد. نحن أسياد لتنفيذ شريعة الرسول ﷺ، نحن جنود الرسول ﷺ، نحن جنود لشريعة الرسول ﷺ. فالشريعة أساس الطريقة، وبدون شريعة لا توجد طريقة. إن نواة الشريعة هي الطريقة».[8]

الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان في التكية الرئيسة في محافظة الأنبار، الرمادي (التسعينيات).

فيمكن تصوّر الشريعة على أنها حدود الطريق إلى الله، فبدون تلك الحدود من المستحيل أن يبقى الإنسان على ذلك الصراط المستقيم ولا يحيد عنه، ولكن في نفس الوقت ليست هذه الحدود هي هدف الطريق ومقصده، وإنمّا الله هو القصد. فالشريعة تضمن بقاء الإنسان السالك على الطريق إلى الله، بينما الطريقة هي التي تساعده على التقدّم على ذلك الطريق والازدياد قرباً من الله سبحانه وتعالى. لذلك نجد مشايخ الطريقة أحرص الناس على الالتزام بالشريعة، وكما في هذه الحادثة المعروفة عن الشيخ عبد القادِر الگيلاني التي نقلها عنه الكثيرون، وفيما يلي رواية ابن تيمية (ت 728/1328) لها:

«كنت مرة في العبادة فرأيت عرشاً عظيماً وعليه نور، فقال لي: «يا عبد القادِر! أنا ربك وقد حَلَّلتُ لك ما حَرَّمتُ على غيرك». فقلت له: «أنت الله الذي لا إله إلا هو؟ اخسأ يا عدو الله». فتمزَّق ذلك النور وصار ظلمة، وقال: «يا عبد القادِر، نجوتَ مني بفقهك في دينك وعلمك وبمنازلاتك في أحوالك. لقد فتنتُ بهذه القصة سبعين رجلاً»».

ولما سُئِلَ الشيخ عبد القادِر كيف عَرَفَ الشيطان، أجاب بأنه عرفه من قوله «حَلَّلتُ لك ما حَرَّمتُ على غيرك»، وعلّق قائلاً: «وقد علمتُ أن شريعة مُحَمَّد ﷺ لا تُنسَخ ولا تُبَدَّل. ولأنّه قال «أنا ربك»، ولم يقدر أن يقول «أنا الله الذي لا إله إلا أنا»».[9] وتختلف روايات هذه الحادثة على الكثير من تفاصيلها، ولكنّها تتّفق على قول الشيخ بأنه عَرِفَ الشيطان من ادّعائه بتحليل المُحَرَّمات.[10]

إن الشريعة والطريقة مبنيّتان على القرآن الكريم والسُّنّة النبويّة الشريفة، ولكن أحكام الشريعة تأتي من اجتهاد علماء الشريعة في تفسير هذين الأصلين، وهذا اجتهاد عقلي، بينما تأتي تفاصيل الطريقة من اجتهاد مشايخها، وهو اجتهاد مبني على الكشوفات الروحية. لذلك فإن علوم الشريعة عقلية ونقلية، أي يمكن تناقلها وتعلّمها وتعليمها عن طريق الكتب، بينما علوم الطريقة روحية، فلا وصول إليها إلا عن طريق العبادة والتقوى وصحبة أهلها، فهي العلوم التي يصفها عز وجل بقوله الكريم: ﴿وَاتَّقُوا اللَّـهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّـهُ﴾ (البقرة/282). وهكذا ففي جمعه بين الشريعة والطريقة جمع الإسلام بين العقل والقلب، بين العلوم النقلية والعقلية والكشوفات الروحية.

لذلك ليس من المستغرب أن نجد الطريقة تحتضن المسلم مهما كان مذهبه الشرعي. فالطريقة لا تفرّق بين سُنّي وشيعي، ولا بين حنفي وشافعي، أو بين غيرهم من أتباع المذاهب المختلفة، وهذا هو حال الطريقة الكَسْنَزانِيّة. ويجسّد الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد هذا الأمر قولاً وفعلاً، فلم يدع المريد إلى ترك مذهب واتّباع آخر، وكان يحب لقاء واستقبال وإكرام علماء المسلمين من مختلف المذاهب.

بعد هذه المقدّمة الوجيزة لمفهوم الطريقة، ستأخذنا الفصول القادمة في رحلة استكشاف لعناصر هذا المنهج الروحي الكامل الذي يتناول كل جوانب حياة الإنسان وتفاصيلها.

[1] قال الإمام عليّ بن أبي طالب في وصف القرآن: «ينطِقُ بعضُه ببعضٍ، ويَشهَدُ بعضُهُ على بعضٍ» (نهج البلاغة، ص 337). وفي تفسيره للآية الكريمة ﴿اللَّـهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا﴾ (الزمر/23)، نسب الطبري في تفسيره جامِعُ البيان عن تأويل آي القرآن إلى التابعي سعيد بن جُبَير قوله في تفسير ﴿كِتَابًا مُّتَشَابِهًا﴾: «يُشبِهُ بعضُهُ بعضاً، ويُصدِّقُ بعضُهُ بعضاً، ويدُلُّ بعضُهُ على بعضٍ».

[2] البخاري، الجامع الصحيح، ج 1، ح 50، ص 65.

[3] الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان، الطريقة العليّة القادِريّة الكَسْنَزانية، ص 75.

[4] سندرس أوارد الطريقة الكَسْنَزانِيّة بالتفصيل في الفصل التاسع عشر.

[5] الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان، موعظة، 22 حزيران 2000.

[6] الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان، موعظة، تخريج دورة الخلفاء، 2005.

[7] الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان، موعظة، 14 تشرين الثاني 2008.

[8] الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان، موعظة، بدون تاريخ، ليلة عرفة.

[9] ابن تيمية، مجموع فتاوى، ج 1، ص 172.

[10] مثلاً، التادفي، قلائد الجواهر، ص 20-21.

لؤي فتوحي 2004-2021. جميع الحقوق محفوظة.
 http://www.facebook.com/LouayFatoohiAuthor
 http://twitter.com/louayfatoohi
 http://www.instagram.com/Louayfatoohi

Share