الفصل (6) الحَياةُ الأُسَرِيّة

Share

الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان ومعه كاكا عزيز لاله مارف في تكية بغداد في بداية الثمانينيّات.

«إن الشيخ نهرو هو قلبي، هو كبدي، هو خادِمُكم وخادِم طريقتكم. أنا وأولادي وكل ما نملك في خدمة الطريقة، نحن خُدّام لطريقتكم، نحن كلّنا جنود الرسول ﷺ، جنود الشريعة، لأنها أساسنا».

السيّد الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان الحُسَيني (موعظة، 14 تشرين الثاني 2008)

تزوج الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان لأول مرة في أواخر عام 1957 من ابنة عم له، وكان يسكن حينئذ في كَرْبْچْنَه. وأثمر هذا الزواج عن ابن توفّي ثم ابنة، ولكن لم يُكتَب له الاستمرار. إذ أدى انخراط شيخنا في العمل السياسي والعسكري دفاعاً عن الحقوق القوميّة للأكراد في عام 1961 إلى صعوبة التوفيق بين مسؤوليّاته العائلية ومسؤولياته الجديدة التي كانت تتطلب منه أن لا يكون له عنوان ثابت وأن يكون في حالة حركة دائمة، فطلّق زوجته في ذلك العام.

الشيخ عبدالكريم الكَسْنَزان مع ثلاثة من أولاده (تقريبا 1970).

بعد بضع سنين من اعتزاله العمل في الحركة الكردية، قرّر شيخنا الزواج ثانية. ومن معالم حبّه لأمه وثقته بحكمتها أنه ترك لها اختيار زوجته، من بعد مباركة الشيخ عبد الكريم ذلك الخيار. واختارت السيدة حفصة زوجة لابنها فتاة اسمها «كَژال» من عائلة معروفة لها صلة قرابة بعائلة شيخنا، فهي ابنة الشيخ معروف، ابن الشيخ عبد الكريم قادر كرم، خال السيدة حفصة الذي تولّى رعايتها حين كانت طفلة صغيرة بعد وفاة والدتها. وهذا الاختيار الظاهري لزوجة شيخنا كان في باطنه تدخّلاً من مشايخ الطريقة، إذ بعد طلاقه لزوجته الأولى قال له مشايخ الطريقة بأنهم سيزوجّونه أفضل زوجة.

الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان في جلسة مدائح في تكية عمّان، الأردن (12 كانون الأول 2013).

وكانت هنالك علاقات قوية بين العائلتين، حتى حين كانت عائلة الشيخ عبد الكريم في كَرْبْچْنَه أو بنجوين قبل أن تستقر في كركوك، حيث كانت تسكن عائلة السيدة كَژال. وكانت السيدة حفصة تكن الكثير من الود لابن خالها وأخيها بالرضاعة الشيخ معروف، الذي كان أيضاً صديقاً قريباً من ابنها الشيخ حُسَين، وأصبح فيما بعد محامي الشيخ عبد الكريم الكَسْنَزان لقضايا تخصّ أراضي زراعية في سنگاو، وكان الشيخ عبد الكريم أيضاً يكنّ له حباً. وفي عام 1959 حكمت السلطات العراقية على الشيخ معروف بالإعدام لأسباب سياسية، ونُفِّذَ الحكم في عام 1963 خلال حكم عبد السلام عارف.

الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان في زيارة إحدى تكايا الرمادي (26 كانون الأول 1991).

وتزوج الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد السيدة كَژال في بداية عام 1969، وكان في حينها مقيماً في هَوْمَرامان في قضاء قَرَه داغ في محافظة السليمانية، حيث كان يتردّد في إقامته بين هَوْمَرامان وكركوك، حيث يسكن الشيخ عبد الكريم. وفي عام 1971، انتقل للسكن بشكل دائم في كركوك، بجوار بيت والده. وبنى بعد فترة مقابل مسكنه دار ضيافة لاستقبال الزوّار. ورُزِقَ شيخنا بابنه الأكبر «نهرو» في 12 كانون الأوّل 1969، وبعد حوالي سَنَة ونصف وُلِدَ له «غاندي». وجاءت تسمية الولدين الأكبرين لشيخنا تيمّناً بالقائدين البارزين لحركة استقلال الهند من الاحتلال البريطاني، المهاتما غاندي، الذي قاد الهند إلى الاستقلال في عام 1947، وجواهر لال نهرو، خليفة غاندي السياسي وأول رئيس وزراء للهند المستقلة. ويعكس اختيار شيخنا لهذين الاسمين إعجابه بهذين القائدين وما قدّماه لشعبهما. كما تعني كلمة «نهرو» في اللغة الكردية «نهر صغير».

الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان في جلسة مدائح في تكية عمّان، الأردن (2013).

كان شيخنا يحبّ أن يكون له عدد كبير من الأبناء. وفي عام 1972، حين كان لديه نهرو وغاندي فقط، قال له يوماً درويش من أصحاب الأحوال اسمه «محمود گُلال»: «هل يكفيك سبعة؟ أنا كفيلٌ بأن يكون لديك سبعة أبناء»، وفعلاً، وُلِدَ لشيخنا بعد ذلك خمسة أبناء ليصبح عدد أبنائه سبعة! ففي عام 1973 وُلِدَ له «مَلاس»، الذي يعني اسمه باللغة الكردية «مُتهيّأ» و «مُتيقّظ» وهو أيضاً اسم أعلى قمّة جبل في كَرْبْچْنَه. ثم تلاه «بْرِيش»، الذي يعني اسمه «المُنفِق»، وهو أيضاً اسم لقمّة جبل قرب كَرْبْچْنَه. ثم تلاه «عمّار»، ثم «جُنيد»، وأخيراً في عام 1983 «عبد الكريم». وكما ذكرنا، فإن لشيخنا ابنة من زواجه الأول.

الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان قرب البستان التي في أسفل جبل سَه گَرمه في السليمانية.

وأولاد شيخنا، كما هو حال كل أولاد المشايخ، تربّوا منذ صغرهم في أحضان الطريقة. فكانوا يعاملون والدهم على أنه شيخ الطريقة وليس فقط والدهم البايولوجي، لأنه والدهم الروحي مثلما هو الوالد الروحي لكل المريدين. ولذلك فإنهم يشيرون إليه بلقب «شيخ» وليس بلقب الوالد التقليدي. ومن معالم هذا الاحترام أنهم لا يجلسون في مجلسه إلا اضطراراً، ولا يسبقونه بالقول ولا يتحدّثون في مجلسه إلا حين يوجّه إليهم الكلام أو حين يكون لديهم أمرٌ يحتاجون إخباره به.

الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان في تكية عمّان، الأردن.

ومثلما يطلب شيخ الطريقة من المريدين أن يخدموا الطريقة ويتفانوا في دعوة الناس إلى طريق الرسول ﷺ، فإنه يطلب من أبنائه نفس الإخلاص والتضحية ويعلّمهم بشكل مباشر آداب الطريقة، كما يوكّل من يثقّفهم. فمثلاً أعطى الشيخ عبد القادر الكَسْنَزان لأحد أبناء أعمامه من كِبار السنّ اسمه «شهاب» مسؤولية تثقيف أبنائه بأمور الطريقة، وكان يقول له: «علّم الأولاد أن يكونوا قريبين من التكية والدراويش، لأنّ الإسكافي يعلّم ابنه منذ صغره صنعته». وكان شيخنا يطلب من أولاده بأن يجعلوا كل عملهم خدمة للطريقة، سواء كان أحدهم يعمل في مجال التجارة، أو السياسة، أو أي مجال آخر. ومن أقوال شيخنا عن هذا الأمر في إحدى مواعظه:

«أنا كل همّي وغمّي الإرشاد. أنا كل ما عندي في خدمتكم، حتى أولادي في خدمتكم، في خدمة الطريقة. إن روحي في خدمتكم وفي خدمة الطريقة. أنا خادم للطريقة وللدراويش. أنا اعتزّ بهذا اللقب لأنَّ أجدادي كانوا يكتبون عن أنفسهم «خادم الفقراء»».[1]

ويشير أستاذنا هنا إلى أن المشايخ الكَسْنَزانيّين كانوا يلقّبون أنفسهم بلقب «خادم الفقراء» ويختمون رسائلهم بهذا اللقب.

الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان في عمّان، الأردن (5 أيار 2015).

وكما يحثّ شيخنا المريد على تحصيل أكبر ما يستطيع من العلم، فقد حرص على أن يحصل كل واحد من أبنائه على الشهادة الجامعية على أقل تقدير. ورغم أشغال الطريقة الكثيرة فقد كان يتابع تقدّم أبنائه في الدراسة منذ صغرهم. فمثلاً حين كان أصغر أولاده، عبد الكريم، طفلاً صغيراً، لم يكن يحب الذهاب إلى المدرسة فكان ينجح أحياناً في البقاء في البيت، ولكن حين كان يراه شيخنا في البيت في وقت المدرسة فإنه كان يطلب من أحدهم أن يأخذه إلى المدرسة حتى وإن لم يتبّقَّ من اليوم الدراسي سوى القليل. كما كلّف شيخنا أحد أقرباء العائلة بمتابعة تفاصيل دراستهم عن قرب.

الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان في تكية السليمانية.

وحصل كل أبناء شيخنا على الأقل على الشهادة الجامعية الأولية. فالشيخ نهرو حصل على درجة البكالوريوس في الحاسبات ثم أكمل درجة الدكتوراه في التاريخ الإسلامي، وحاز الشيخ غاندي على شهادة البكالوريوس في القانون والماجستير في الإعلام، وحصل الشيخ ملاس على درجة البكالوريوس والماجستير في الهندسة المعمارية، والشيخ عمّار على البكالوريوس في الطب، والشيخ بريش على البكالوريوس في طب الأسنان، والشيخ جنيد على بكالوريوس الصيدلة، والشيخ عبد الكريم على البكالوريوس في الطب. وترك أستاذنا لأبنائه اختيار المواضيع التي يريدون دراستها ولكنه كان يحب أن يدرسوا الطب بالذات، لأن فيه خدمة كبيرة للناس فوصفه بأنه نوع من العبادة. ومن الواضح تأثّر أولاد شيخنا بميله إلى الطب حيث نرى غلبة الفروع الطبية على اختياراتهم الدراسية.

الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان في جلسة مدائح في تكية عمّان، الأردن (2018).

وكما ذكرنا سابقاً، فإن لزوجة الشيخ مهمّات خاصة تساعد فيها زوجها في إدارة أمور التكية. وبعد وفاة السيدة حفصة والدة شيخنا، آلت هذه المهمات إلى السيدة كَژال. ومن جميل صفات السيدة كَژال هي أنها لا تغضب حتى في أصعب الظروف وأكثرها إثارة للغيظ. وهي امرأة شديدة التواضع تستقبل زائرات التكية وتحرص على توفير ما يحتجن إليه من معلومات وخدمات، كما تشرف على رعايتهنّ وإكرامهنّ خلال زيارتهنّ.

 

[1] الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان، موعظة، 22 كانون الأوّل 2005 .

لؤي فتوحي 2004-2021. جميع الحقوق محفوظة.
 http://www.facebook.com/LouayFatoohiAuthor
 http://twitter.com/louayfatoohi
 http://www.instagram.com/Louayfatoohi

Share