الفصل (11) الدعوة إلى طريق الله ونبيّه ﷺ

Share

الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان في جلسة مدائح في تكية عمان، الأردن (2018).

«إن أهم ما يمكن أن تشغلوا به أنفسكم وأوقاتكم هو الإرشاد. إن أكبر عبادة عندنا هي الإرشاد، أكبر عمل في الطريقة هو الإرشاد. إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو أهم شي، لأنك تعلّم الناس العبادةَ، التوجّهَ إلى الله سبحانه وتعالى، تنفيذَ الشريعة المُحَمَّدية ﷺ. فأنتم معلّمون، تتعلَّمون وتُعلِّمون الناس؛ تأخذون علومَكم من المشايخ ومن الشريعة المُحَمَّدية وتبلغون الناس وتعلّموهم».

السيّد الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان الحُسَيني (موعظة، بلا تاريخ)

تفانى مشايخ الطريقة الكَسْنَزانيّة في الدعوة إلى الطريق إلى الله ولم يدخروا غالياً ولا رخيصاً في هداية الناس إلى دين النبي ﷺ. وكباقي أساتذة الطريقة قبله، لم يتوقّف الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد يوماً عن تذكير المريدين بضرورة الإرشاد ودعمهم بكل ما يحتاجوه لإيصال كلام الله وذكره ورسالة النبي مُحَمَّد ﷺ إلى الناس في كل مكان. ولا يقتصر الإرشاد على دعوة غير المسلم إلى الإسلام وحثّ المسلم المتقاعس على التمسّك بالدين بقوّة، ولكن كل أمر بالمعروف ونهي عن المنكر هو عمل إرشادي حتى بين الملتزمين بكتاب الله وسُنَّة نبيّه ﷺ. فمن كلام شيخنا:

«لا يجوز نهائياً التوقّف عن الإرشاد، فيجب على المرء أن يرشد يومياً حتى بين عائلتِه وأهلِه وعشيرتِه، فالإرشاد عظيم جداً».[1]

ويستطرد شيخنا قائلاً: «أنا كل همّي وغمّي الطريقة والإرشاد». كما أن من أقواله المأثورة عن الإرشاد التي يكرّرها هو «بالإرشاد تُفرَضُ الفرائض».[2] فالإرشاد يقود غير المسلم إلى الإسلام ويعلّمه فروضه من صلاة وصيام وزكاة وحج، ويذكّر المسلم الغافل بها. فالإرشاد هو الطريق إلى الإسلام والتذكير به، واعتناق الإسلام يعني القيام بفرائِضه، ولذلك «بالإرشاد تُفرَضُ الفرائض».

وفي عظمة الإرشاد وإعطاء البيعة يروي شيخنا أن والده الشيخ عبد الكريم كان يسُأِلَ أحياناً عند عودته إلى البيت عن فرَحٍ بدا عليه، فيجيب بأنه سعيد لأنه أعطى البيعة لأحد الأشخاص.[3] ويذكّرنا هذا الحال بنصيحة الرسول ﷺ لخليفته الروحي الإمام علي بن أبي طالب يوم أرسله ليفتح خيبر: «لَأَنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ».[4]

الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان في جلسة مدائح في تكية عمان، الأردن (9 آب 2013).

إزداد إرشاد الطريقة الكَسْنَزانيّة بعد استلام الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد لمشيخة الطريقة بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ الطريقة الكَسْنَزانيّة، حيث وسّع مختلف نشاطات الدعوة إلى الله:

  • فتح التكايا.
  • زيادة عدد الخلفاء المرشدين وتطويرهم ثقافياً وإرسالهم للإرشاد في أنحاء العالم.
  • وعظه بشكل مستمر.
  • تأليفه ونشره للكتب وتشجيعه الخلفاء للكتابة عن الطريقة.
  • تيسير دراسة كرامات الدرباشة لجهات بحث علمية عالمية.

لقد تناولنا موضوع الكرامات بالتفصيل في كتب أخرى لنا،[5] وسنركز في هذا الفصل على مجالات الإرشاد الأربعة الأخرى، وهي بناء التكايا، تطوير الخلفاء، وإلقاء المواعظ، وتأليف ونشر الكتب والثقافة الصوفيّة.

11- 1 التوسّع في بناء التكايا

من مظاهر الانتشار غير المسبوق للطريقة الكَسْنَزانيّة في عصر الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد هي أن تكايا الطريقة الثلاث الصغيرة في بغداد أصبحت أكثر من مئة وثلاثين بين عام 1978، حين أصبح شيخ الطريقة، وعام 2000، حين هاجر من بغداد إلى السليمانية. وحدث هذا رغم المضايقات الشديدة من قبل الحكومة آنذاك وأجهزتها الأمنية في الحد من انتشار الطريقة، بما في ذلك أمرها بإغلاق معظم التكايا، كما سنرى في الفصل السادس عشر. وكانت التكية الرئيسة في بغداد تعجّ بالمريدين في كل يوم، وأينما أدرت بصرك شاهدت أُناساً يأخذون البيعة. وفي أيام الذكر الرسمي في ليلتي الاثنين والخميس كان الحضور في التكية يُعَدُّ بالمئات.

تكية الهند الرئيسة في مدينة بنغالور.

وفي أيام الاحتفالات الدينية لم تكن التكية كافية لكل المريدين. وكانت أيام الأعياد تشهد طابوراً طويلاً منهم ينتظر أحدهم نصف ساعة أو أكثر قبل أن يصل دوره للسلام على الشيخ. وأقام شيخنا آخر احتفال كبير بالمولد الشريف قبل هجرته من بغداد، وذلك في عام 1998، في بستانه في منطقة الدورة، لأن التكية الرئيسة ما عادت تتّسع للآلاف الكثيرة من الناس الذين حضروه. وكانت نيّته أن يحتضن البستان احتفالات المولد الشريف في المستقبل، ولكن بسبب المضايقات السياسية، أُقيمَ مولدا العامين اللاحقين في التكية الرئيسة وبحضور محدود نسبياً.

وزار أستاذنا الكثير من التكايا الجديدة التي فُتِحَت في بغداد، حيث يُقام احتفال بولادة الرسول ﷺ ثم حلقة الذكر الكَسْنَزاني لمباركة التكية الجديدة. ووجّه ببناء التكية الرئيسة في مدينة البصرة في جنوب العراق التي اكتملت عام 1992. وشهدت مدن وقرى العراق بشكل عام بناء العشرات إن لم نقل المئات من التكايا الصغيرة والكبيرة. وهذا الانتشار أدى إلى أخذ عدد هائل من العرب للبيعة الكَسْنَزانيّة ليتحقّق ما كشفه الشيخ عبد القادر الكَسْنَزان في عام 1912 حين نظر إلى ابنه عبد الكريم وهو في القماط حينئذ وحرّك عصاه فوقه جيئة وذهاباً وقال: «ما شاء الله، ما شاء الله، سيهدي الله الكثير من العرب على يدي ابن هذا الرجل إلى الطريق الصحيح».

كان شيخنا يزور من وقت لآخر التكايا الرئيسة في المحافظات المختلفة، ويشرف عليها بشكل شبه مباشر، لأنّ التكية الرئيسة في كل مدينة هي مركز الإرشاد ووسيلة نقل توجيهات شيخ الطريقة إلى التكايا الثانوية، وبالتالي إلى كل المريدين، في تلك المدينة. ولكن توقّفت زياراته هذه بعد هجرته إلى السليمانية ومن بعدها إلى عمّان، وبسبب حالته الصحية، وكذلك بسبب الأوضاع السياسية والأمنية غير المستقرّة في عموم العراق.

وبعد هجرته إلى السليمانية، سكن شيخنا في منطقة «ماموستيان». ثم بدأ في بناء تكية كبيرة جداً لتكون التكية الرئيسة الجديدة. وأوكل مسؤولية بناء التكية إلى المهندس الشيخ سامان، وكان يشرف بنفسه أيضاً على العمل. كما بادر بإنشاء مزرعة كبيرة على أحد الجبال. وانتقل للسكن في التكية بعد أن اكتمال بناء بيته فيها قرب نهاية عام 2002.

كما أسس شيخنا تكايا كَسْنَزانيّة خارج العراق. وكثيراً ما يشهد بناء تكية كراماتٍ، لأنها بيت ذكر الله ومكان حضور أرواح المشايخ والملائكة. وسنروي هنا قصّة تأسيس أول تكية في بناية مخصّصة في الهند والسودان لنرى الكرامات المُذهِلة التي رافقت بناء كلٍ منهما.

مسجد تكية الهند الرئيسة في مدينة بنغالور ويُعرف باسم «مسجد الغوث الأعظم».

في عام 1994، أرسل شيخنا الخليفة يوسف حسن صالح (رحمه الله) للإرشاد في الهند، وبإذن الله وبركة مشايخ الطريقة أصبح للطريقة الكَسْنَزانيّة عدداً كبيراً من المريدين. وأُسِّسَت على مر السنين حوالي ثلاثين تكية صغيرة في أبنية غير متخصّصة، ولكن عدم وجود تكية في بناية منفصلة خاصّة حدَّ من انتشار الطريقة. فلمّا أرسل شيخنا في عام 2011 الخليفة عماد عبد الصمد إلى الهند مطلقاً حملة إرشادية جديدة أوصاه بما يلي: «منذ حوالي عشرين سَنَة ونحن نريد أن نؤسس تكية في بنگلور. فهدفك هو الإرشاد وتأسيس تكية». وتأسّت أول تكية متخصّصة في الهند، في مدينة بنگلور، بكرامة مذهلة بتفاصيلها، بدأت حوادثها في الشهر السادس من عام 2012. وهذه هي قصّتها، مرويّة على لسان الخليفة عماد:

عملاً بأمر شيخي كنت في جولاتي الإرشادية أبحث عن أرض مناسبة لتأسيس التكية. كلما وجدت مكاناً أخبرت حضرة الشيخ به، ولكنه لم يكن يريد أياً من هذه الأماكن لبعدها عن أماكن سكن الخلفاء والدراويش.

وفي يوم رأيت في المنام حضرة الشيخ يقود سيارته اللاندكروز الحمراء القديمة وكنت جالساً بجانبه. ثم قال لي: «ابني، هل ترى ذلك المصباح الأصفر الضوء؟»، قلت: «نعم». قال: «أريد أن تحصل على أرض في هذه المنطقة». قلت: «بهمة المشايخ سأفعل ذلك». ثم قال: «إن أرضي هنا، وهنالك وثائق تبيّن بأنها باسمي، فحاول أن تجد هذه الوثائق». فوعدته بأن أفعل ذلك، ثم غادرنا المكان وهو يسوق السيارة. أثناء العودة شاهدت قطاراً يمر قريباً من المكان، ثم استيقظت من النوم. فبدأت أسأل كلما تُعرَض علي قطعة أرض عما إذا كانت هنالك سكة قطار قريبة منها بحثاً عن تلك الإشارة.

بعد مدّة شاهدت رؤيا ثانية في المنام. كان حضرة الشيخ جالساً في السيارة وأنا واقف خارجها، وسألني من شباك السيارة: «ابني، هل وجدت المكان؟»، فأجبته بأنني لا زلتُ أبحث ثم استيقظت. حين أخبرت حضرة الشيخ بالرؤيتين علّق قائِلاً: «إن شاء الله سيعطيك المشايخ كما رأيتَ».

بعد حوالي أسبوع كنت يوماً في منطقة شاداب نَگَر في مركز بنگلور، القريبة من سكن كل الخلفاء، حين أتاني سمسار عقارات مسلم ومعه مستندات قطعة أرض معروضة للبيع في ساريپاليا. فقلت له بأنها صغيرة جداً لأنني أحتاج أرضاً لا تقل مساحتها عن ألف متر مربع. ولما كانت لديه أراضٍ أخرى صغيرة مجاورة لتلك الأرض قلت له بأنني أحتاج حوالي ثماني عشرة إلى عشرين قطعة من تلك القطع الصغيرة المتجاورة. قال السمسار بأنها ستكلّف الكثير، ولم يكن لدي أي مبلغ حينئذ، ولكن توكّلت على الله.

سألته عن اسمه فقال: «مُحَمَّد إرشاد». حين سمعت اسمه تكسرت العبرة في صدري، لأني رأيت في الاسم أول إشارة من أستاذي بأنها أرض التكية، فاسمه الأول، «مُحَمَّد»، هو اسم حضرة الشيخ، واسمه الثاني، «إرشاد»، هو فعالية التكية. وشهد معي هذه وما سيلي من عجائب الخلفاء زكريا إبراهيم شيخ، وفيروز خان عزيز، وجعفر محمد حنيف الذين هم من سكنة بنگلور.

الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان في في تكية عمان، الأردن (13 تموز 2018).

حين وصلنا إلى الأرض للاطّلاع عليها، كان الوقت عصراً، وانتابني شعور لا يوصف، وكأنني دخلت الجنة، لأننا مررنا بسكة قطار. ثم شاهدت مصباح الشارع الذي رأيته في المنام فقلت لرفقائي بأن هذا المصباح أصفر الضوء. ثم أخبرتهم بالرؤيتين وقلت لهم بأن إشارتي الرؤيا اللتين رأيناهما في الأرض وكون اسم السمسار مُحَمَّد إرشاد يشكّلون دلالة قاطعة على أن هذه هي أرض التكية. كانت المنطقة ذات غالبية هندوسية وكان هنالك بيتان أو ثلاثة من المسلمين ولديهم جامع صغير من الطين. بعد أن قمنا بوِرْد العصر، قلت للخلفاء سنمكث حتى هطول الظلام ليروا بأم أعينهم الضوء الأصفر. كانت المنطقة مليئة بالبعوض فأراد الخلفاء أن يثنوني عن رأيي لكني أصررت على انتظار نزول الظلام.

وبعد أن صلّينا المغرب بقينا ننتظر أن تُنار مصابيح الشارع لنرى لون ضوء ذلك المصباح، ولكن مرت حوالي نصف ساعة والمصابيح مظلمة. فطلبت من فيروز وجعفر أن يذهبا إلى صاحِب مخزن صغير تحت المصباح، وكان رجلاً هندوسياً، ليسألوه عن سبب عدم إنارة مصابيح الشارع وعن لون ضوء ذلك المصباح. فقال لهما بأن الكهرباء مقطوعة وأنها ستعود في الساعة التاسعة. كما قال لهم بأن لون المصباح أبيض. فلما أخبروني بما قال أقسمت لهم أشدَّ القسم بأنه أصفر. فاستغربوا من إصراري باعتبار أن صاحِب المخزن أدرى بلون المصباح الذي يسقط نوره على مخزنه كل ليلة!

طلبت من رفاقي البقاء هنالك حتى تعود الكهرباء لنتحقَّق من لون الضوء، فبقينا تحت رحمة البعوض لمدة ساعة ونصف. وبعد حين من إقامتنا للصلاة ووِرْد العشاء، جاءت الكهرباء، فعلّق زكريا بأن الضوء أبيض اللون، فأقسمت مرة أخرى بأنه أصفر، فأخذ يضحك بشكل هستيري حين شاهد ثبات اعتقادي رغم مخالفته لما قاله صاحِب المخزن وما تراه العين. وإذا بضحك زكريا ينقلب ذهولاً حين بدأ الضوء الأبيض بالتحول إلى اللون الأصفر. إذ تبيّن بأن المصباح كان من نوع الهالوجين. فطلبت من الخلفاء أن يعودوا إلى صاحِب المخزن ويسألوه عن سبب قوله بأن الضوء أبيض. فخرج الرجل من مخزنه لينظر إلى الضوء، فلما رآه أصفر بدا هو الآخر مندهشاً، وقال لهم بأنه مستعد بأن يُقسم بأن الضوء كان أبيض، وأنه يعرف ذلك تماماً لأنه مَلَكَ هذا المخزن لسنين طويلة.

وجه العجب الآخر فيما حدث، وهو سرّ ذكر حضرة الشيخ في المنام بأن لون ذلك المصباح أصفر، هو أن كل المصابيح الأخرى كانت بيضاء، فكان هذا المصباح الوحيد الأصفر اللون! وبكى الخلفاء تأثراً بالكرامة التي شهدوها. كررت للخلفاء قولي بأن هذه الأرض هي حتماً للطريقة، فبدأنا بمتابعة معاملة شراء الأرض.

بعد يومين، جاءني مُحَمَّد إرشاد ومعه رجل قدّمه على أنه الوسيط بيننا وبين أصحاب الأرض. فسألته عن اسمه فقال «أحمد إرشاد»، وهكذا استمرّت الإشارات. بعد أن دفعنا المقدّم ذهبنا إلى مكتب التقينا فيه بشخص اسمه عباس، هو ممثّل مالكي الأرض. حين سلّمت على عباس أخذ بتقبيل يدي وقدمي وأسعدني بمفاجأتي بأن أمه المُتوَفّاة منذ أكثر من خمسة عشر سَنَة كانت من مريدي حضرة الشيخ عبد الكريم الكَسْنَزان، حيث كانت قد أخذت البيعة في بنگلور على يد الخليفة عبد الرزاق شريف أحد خلفاء حضرة الشيخ عبد الكريم. وقال عباس معرباً عن رغبته بأن يقدم خدمة للطريقة بأنه سيحاول أن يحصل على تخفيض لسعر القدم المربع للأرض.

وأخذنا عباس للقاء شخص مسلم هو المسؤول الأكبر عن عدد كبير من الأراضي بما فيها القطعة التي نريد شراءها. قال هذا الرجل بأنه هو الآخر يود أن يقدّم خدمة إلى مشروع التكية كونها لطريقة حضرة الشيخ عبد القادِر الگيلاني، فعرض بأن يتحمّل كلفة مراسيم افتتاح التكية. فشكرته وسألته عن اسمه، فإذا به يذهلني بالإجابة بأن اسمه «إرشاد».

حين أخبرت حضرة الشيخ بأن اسم الشخص الأول هو مُحَمَّد إرشاد والثاني أحمد إرشاد والثالث إرشاد، علَّقَ قائِلاً: «وشيخك هو قطب الإرشاد، الحمد لله، والطريقة هي طريقة إرشاد. هذه التكية هي لكم إن شاء الله، بهمّة سيدنا الگيلاني قَدَّسَ الله سِرّه وبهمة شاه الكَسْنَزان قَدَّسَ الله سِرّه».

وفعلاً، اشترينا الأرض وبنينا فيها التكية مثلما قال حضرة الشيخ وأشارت إليها سلسلة الكرامات المُذهِلة.[6]

وبدأ العمل ببناء التكية وانتهى في عام 2013، ولكن استمرت أعمال التطوير فيها في السنين اللاحقة لتصبح من التكايا والمساجد الإسلامية المتميزة بجمالها في المدينة.

الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان وخلفه بناية تقوم مكانها اليوم بناية أحد أقسام كلية السلام الجامعة (منتصف التسعينيات).

كما أسس الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الطريقة الكَسْنَزانيّة ونشرها في السودان، فأصبح هنالك الكثير من التكايا والمريدين. فبعد عودة قارئ القرآن العراقي المعروف الحاج علاء الدين القيسي (رحمه الله) من زيارة رسمية إلى السودان في عام 1994، أخبر شيخنا بإعطائه بيعة الطريقة للبروفسور حسن أحمد حامد (رحمه الله)، أحد كبار علماء الدين في السودان، الذي كان قد رأى الشيخ عبد القادِر الگيلاني يأمره بنشر الطريقة القادرية في السودان فتحققت رؤياه بأخذه بيعة الطريقة الكَسْنَزانيّة.[7] فأرسل شيخنا الخليفة طه عبيد الطائي إلى السودان وأخبره بأنه سيجد المشايخ قد هيأوا له ما يحتاج للإرشاد.

وصل طه مع خليفتين آخرين إلى الخرطوم في يوم الثلاثاء 1 تشرين الثاني 1994، وتوجّهوا مباشرة إلى بيت البروفسور حامد. وأخبروه بما كلّفهم به شيخنا، كما أعطوه رسالة من شيخنا لإيصالها إلى الرئيس السوداني عمر البشير يطلب فيها إنشاء تكية كَسْنَزانِيّة في السودان. وكان هدف الرسالة تعريف الرئيس بالطريقة وتجنّب وقوع سوء فهم بشأن ما تريد الطريقة القيام به في السودان، لاسيما وأن مشايخ الطريقة هم من بلد آخر. وأذهلت الزيارة غير المُتوقَّعة البروفسور حامد لأن زوجة أخيه، التي كانت تسكن مع عائلته، أخبرته في صباح ذلك اليوم قبل وصول الدراويش الثلاثة بأنها شاهدت في تلك الليلة في المنام بأن رسولاً ترك بغداد قبل ثلاثة أيام متّوجهاً إليه. أرسل البروفسور حامد في طلب زوجة أخيه وأخبرها بتحقّق رؤيتها، فالرسول الذي رأته في المنام هو الخليفة المُرسَل من قبل الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان. ولكنّه علّق بأن الرسول وصل في نفس يوم تركه بغداد وليس بعد ثلاثة أيام كما شاهدت في المنام. وهنا تدخّل الخليفة ذاكراً تفاصيلاً أخرى عن سفره تؤكّد دقة الرؤيا. إذ أنه غادر بغداد إلى عمّان يوم الأحد 30 تشرين الأوّل، ولكن كان عليه أن ينتظر في عمّان يومين لوجود رحلة أسبوعية واحدة فقط من عمّان إلى الخرطوم، يوم الثلاثاء، أي أنّ سفرته استغرقت فعلاً ثلاثة أيّام، وليس يوماً واحداً كما ظنّ البروفسور حامد!

في صباح اليوم التالي أخذ البروفسور حامد الدراويش الثلاثة في جولة في منطقة الصافية التي يسكن فيها بحثاً عن مبنى يمكن تأجيره مكاناً للتكية ليقوم بعدها بإيصال رسالة شيخنا إلى رئيس الجمهورية لاستحصال موافقة الدولة. واستمرت الجولة عدّة ساعات زاروا خلالها أماكنَ عديدة، ولكن لم يعثروا على مبنى مناسب. حين عادوا إلى البيت قرب الساعة الثالثة ظهراً لتناول الغداء، تذكّر طه رؤيا شاهدها في الليلة السابقة عن موقع التكية. حيث شاهد جامعاً كبيراً فيه مئذنة عالية وبجانبه عدد من البيوت البسيطة القديمة المتلاصقة، وفي الجهة الأخرى من الشارع الفرعي توجد أمام المسجد ساحة بحجم ملعب كرة القدم في وسطها بيت كبير جداً، أي معزول عن أي بناء آخر، وفي ذلك البيت شجرة واحدة عالية جداً كثيرة الفروع. فلمّا قصّ الخليفة رؤياه قال البروفسور حامد مندهشاً: «يبدو أنّك تعرف المنطقة أفضل مني»! ثم استطرد قائلاً بأن البيت الكبير يعود لرجل اسمه مُحَمَّد الطيّب، وأن الجامع معروف واسمه «أُمّة الإجابة»، ويقعان في منطقة شمبات الحلّة التي تبعد حوالي كيلومتر واحد عن الصافية.

وفي طريقهم لزيارة الموقع، شرح البروفسور حامد للدراويش بأن مُحَمَّد الطيّب سجّل في الأوقاف جامعاً أراد بناءه في تلك الأرض الواسعة، ولكنه بنى بيتاً كبيراً مساحته حوالي الألف متر لم يسكنه أحد يُستَعمَل بين الحين والآخر كخلوة لتحفيظ القرآن. أما الشجرة فهي من نوع الدوم وقد نمت على مر السنين في مكان سيل ماء وضوء الدارسين. ومما يميّز هذه الشجرة أيضاً أنها الوحيدة في المنطقة، لأن البيوت في ذلك الحي السكني صغيرة لا حدائق فيها. حين وصلوا إلى مكان البيت لاحظ الجميع دقّة أوصافه في الرؤيا، ووافق البروفسور حامد على أنه مناسب لأن يكون تكية، وقابلوا مُحَمَّد الطيّب الذي وافق على تأجير البيت ليكون تكية، وهكذا تأسّست أول تكية كَسْنَزانِيّة في السودان. وعيّن شيخنا البروفسور حامد، الذي أصبح عضو مجمع الفقه الإسلامي، وكيله في السودان. وفُتِحَت بعد ذلك الكثير من التكايا في مختلف مدن السودان.

إن كرامتي بناء تكيتي بنگلور والخرطوم هما من صنف الكرامات المعقدة بتفاصيلها، حيث تشمل كلٌ منها أناساً كثيرين وأمكنة عديدة وأوقاتاً مختلفة. وتبيّن مثل هكذا كرامات بشكل استثنائي بعضاً من عظمة القدرة الإلهية التي تقف وراء كل معجزة وكرامة.

الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان في جلسة مدائح في تكية كركوك، العراق (التسعينيات).

2-11 زيادة عدد الخلفاء وتثقيفهم وإرسالهم للإرشاد

إن الإرشاد في الطريقة الكَسْنَزانيّة واجبٌ على كل درويش، لأن الدعوة إلى الله كانت دائماً من أهم واجبات المسلم منذ زمن سيدنا مُحَمَّد ﷺ، ولكن هذا الواجب هو أكبر على الدراويش الذين لديهم إجازة الإرشاد، أي الخلفاء. فإضافة إلى مسؤوليتهم عن دعوة الناس إلى الطريقة، إن الخلفاء مخوّلين بإعطاء بيعة الطريقة الكَسْنَزانيّة نيابة عن الشيخ. لذلك فإن تركيز شيخنا على الإرشاد جعله يزيد عدد الخلفاء بشكل كبير، فأخذ بإعطاء إجازة الإرشاد لكل من له القدرة على الدعوة إلى الله والرغبة في ذلك. وكان شيخنا يكرّر دائماً بأن أفضل الخلفاء والدراويش هم أكثرهم إرشاداً.

ونظّم أستاذنا ثلاث دورات تعليمية مركّزة لعدد من الخلفاء النشطاء والمثقّفين لرفع مستوى علمهم بالطريقة والشريعة، لكي يكون إرشادهم للناس على أفضل وجه. فالمرشد الذي يتحدث عن الإسلام والطريقة عن علم ودراية يستطيع أن يجيب على تساؤلات الناس بحكمة وأن يرد على الجهلة والمغرضين الذين يهاجمون التصوّف. وحاضر في هذه الدورات علماء أكاديميين متخصّصين في مختلف أبواب الدراسات الإسلامية، وحصل الخلفاء المشاركون فيها على شهادات رسمية. وشملت الدراسة مواضيع متعدّدة مثل الشريعة، والتصوف، والعقيدة، والفقه. وأقيمت الدورة الأولى في معهد الأئمة والخطباء في بغداد عام 1994، والثانية في صيف 1996 في التكية الرئيسة في بغداد، والثالثة عام 2005 في التكية الرئيسة في السليمانية. عمل شيخنا جاهداً لكي يزيد من فهم الدرويش الكَسْنَزاني بشكل عام للتصوّف الإسلامي.

كان شيخنا حريصاً جداً على تربية كل خليفة ودرويش ليكون ممثّل حَقﱟ للطريقة. فهو دائم التذكير بأهمية اقتدائهم بالنبي ﷺ: ﴿لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّـهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّـهَ كَثِيرًا﴾ (الأحزاب/21)، صاحِب أرفع الأخلاق: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ (القلم/4)، لكي يقتدي بهم الناس:

«نحن الدراويش الكَسْنَزانيّون يجب أن نكون أنظف الناس في المجتمع، بحيث يقتدون بنا، يقتدون بأصغر درويش كَسْنَزاني».[8]

وكان دائم النصح للمريدين والخلفاء، وكان يتدخّل لحل المشاكل التي تطرأ بينهم وينصح المخطئ ويحاول دائماً إصلاح ذات بين الدراويش حين يحدث خلاف أو نِزاع، لحرصه على أن يكونوا إخواناً متحابّين في الله ومستعدّين دائماً للتجاوز عن أخطائهم تجاه بعضهم البعض. وكثيراً ما كان يكرّر في مجالس إرشاده بأنه لولا الحسد والبغض وغيرها من المشاعر السيئة بين الخلفاء «لامتدّت الطريقة من الشرق إلى الغرب». وهو كثير التذكير بالحديث النبويّ: «الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا»،[9] وشبك النبي ﷺ أصابعه الشريفة، وبقوله ﷺ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى».[10]

كان أستاذنا مُرَبّياً ذي قلب كبير يسامح من يخطأ ويعترف بخطئه ويصلح سلوكه، ولكنّه في نفس الوقت لم يتهاون مع من يصرّ على تشويه وجه الطريقة بسوء الفعل أو القول. ولذلك فقد طرد من الطريقة أفراداً لأنهم أصبحوا مصدر أذى للطريقة والناس.

وأرسل أستاذنا خلفاءً مرشدين إلى الكثير من الدول الإسلامية وغير الإسلامية، فأخذوا بإعطاء الناس بيعة الطريقة في مختلف أنحاء العالم، من أكبر وأحدث وأغنى مدن العالم المتقدّم إلى أصغر وأقدم وأفقر قرى دول العالم الثالث. فأرسل مرشدين إلى الهند، وماليزيا، والسودان، وكينيا، وبنين، وتوغو، وجزر القمر، وبريطانيا، وألمانيا، ودول الاتّحاد السوفيتي السابق، والولايات المتحدة الأمريكية، وغيرها. كما أفتى بإعطاء البيعة عن طريق الهاتف والأنترنيت لمن لا يوجد خليفة قريباً من مكان سكنه وشُقَّ عليه السفر لذلك الغرض. ومن إنجازاته الإرشادية الكبيرة هي جعله للطريقة الكَسْنَزانيّة وجوداً بارزاً في الهند، فهنالك اليوم عدد كبير من الدراويش والخلفاء في مختلف المقاطعات والمدن.

وتجسيداً لحقيقة أن الله جعل للمرأة ما للرجل في الدين، واعترافاً بدورها الكبير في تطوير الفرد والمجتمع، فقد زاد شيخنا عدد الخليفات من النساء أيضاً. فأصبح في الطريقة عددٌ كبيرٌ من المرشدات لتثقيف النساء عن الإسلام وجانبه الروحي:

«يا أيها الدراويش الكَسْنَزانيّون، بلّغوا رسالتكم إلى كل الناس، إلى كل أفراد المجتمع، رجالاً ونساءً، أطفالاً وكباراً في السن، بلّغوا الرسالة المحمدية، لأن الطريقة طريقة الكل، فالطريقة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر».[11]

الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان في جلسة مدائح في تكية عمان، الأردن (9 آب 2013).

3-11 الوعظ المستمر

منذ جلس على سَجّادة الطريقة، وجرياً على سيرة أستاذه الشيخ عبد الكريم ومشايخ الطريقة قبله، حرص شيخنا دائماً على التحدث إلى المريدين عن أمور الدين وتذكيرهم بواجباتهم تجاه الله وأهلهم والمجتمع. وقبل أن تضطره حالته الصحية إلى التقليل من حضوره لحلقات الذكر، كان يقود المريدين كل يوم في وِرْد العصر، ولا يغيب عنه إلا حين يشغله أمرٌ آخر من أمور الطريقة. كما كان دائم الحضور لحلقة الذكر في ليلتي الاثنين والخميس، إضافة إلى احتفالات أيام الأعياد والمناسبات الدينية. وعند حضوره وِرْد العصر كان شيخنا يعظ أحياناً قبل الذكر أو بعده. أما في ليلتي الاثنين والخميس، فكان عادةّ يعظ بعد انتهاء الذكر وقبل أن يبدأ فصل المدائح. وبعد انتقاله من السليمانية إلى عمّان، وبسبب طبيعة مبنى التكية وظروفه الصحيّة، فإنه لم يعد يحضر حلقات الذكر ومجالس المديح سوى تلك التي تُقام في مجلسه في التكية. ولم يتوقّف عن وعظ وإرشاد زوار مجلسه الخاص من الدراويش وغيرهم حتى آخر أيّام حياته.

كان الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد في حالة إرشاد مستمر، سواء كان حضور مجلسه مريدين جاؤوا لزيارته والاستماع إلى كلامه الذي يُذكِّر بالله ورسوله ﷺ، أو ناساً حضروا لأسباب خاصة، وسواء ضمّ المجلس مئات الناس أو أفراداً معدودين. فالطريق إلى الله وقضايا الدين وأحوال المسلمين كانت مواضيعاً دائمة للوعظ والحديث والنقاش حتى في مجالسه الخاصة، وكانت أحب مواضيع الحديث إلى قلبه. فمثلاً، حين ذهب إلى مستشفى مورفيلدس في لندن لإجراء عملية لعينه في يوم 11 أيّار 2000، كنت في صحبته مع وكيله وابنه الشيخ نهرو ومساعده الشخصي الحاج لطيف. حين كان شيخنا جالساً على الفراش بانتظار دخول غرفة العمليات، لم يكن يتحدّث عن العملية وما يتعلّق بها، ولم تظهر عليه أية علامات قلق، كما يحدث للمرء عادة. ولكنه كان يعظنا عن مواضيع شتى، كالورع في التصوّف، وضرورة عدم أخذ المتصوّف السالك برُخَص الشريعة وإنما مطالبته نفسه بأشد أنواع الالتزام، وتجنّب الغيبة، ومراقبة خطرات القلب وطرد الوساوس، وخلود الروح في الطريقة. كما تحدّث عن أنواع طبلة الذكر واستخدامها مع الدفوف في ذكر الله.

وكذلك الحال حين كان في مستشفى جون هوبكنز، في مدينة بالتيمور في ولاية ميريلاند في أمريكا، لعملية زرع الكلى عام 2010. إذ كان خلال رقوده في المستشفى دائم الإرشاد للكادر الطّبي هناك. وتبيّن مثل هذه الحالات تميّز سلوكه وتكريسه حياته كلّها للإرشاد، خدمة للإسلام والمسلمين والناس عامة.

ووعظ شيخ الطريقة، مثل أموره الأخرى، هو بتوجيه من أساتذته. في أحد أيام عام 1981 خرج شيخنا من بيته في تكية بغداد متوجّهاً إلى مسجد التكية، وكان في صحبته الشيخ سامان، المهندس المسؤول عن بناء التكية. وبينما كانا يجتازان باحة التكية متجّهَين إلى المسجد، طلب الشيخ سامان منه أن يلقي موعظة للدراويش يحثّهم فيها على العمل، لملاحظته تلكّؤ البعض في المساعدة في أشغال التكية. فتبسّم شيخنا وأجابه بأن هذا الأمر ليس بيده، فإذا أراد المشايخ له أن ينطق، فإنه يتكلّم بسهولة وسلاسة، ولكن حين لا يريدونه أن يتحدّث فلا يستطيع الكلام. ويذكّرنا هذا بكلام للشيخ عبد القادر الگيلاني يفسّر فيه الفرق بين كلام من ينصِّب نفسه مُرشداً وكلام من يُنطِقُهُ الله بعد أن قرّبه منه وجعله من العارفين به:

«قال النبي ﷺ: «مَن عرِفَ الله كَلَّ لِسانُه»،[12] يعني خَرَسَ. يخرُسُ لسان نفسه وهواه وطبعه وعادته وكذبه وبهتانه وزوره، وينطِقُ لسان باطنه، ويتكلّم لسان قلبه وسرّه ومعانيه وصدقه وصفائه. يخرُسُ لسان باطلهِ، وينطِقُ لسان حقّه؛ يخرُسُ لسان كلامه فيما لا يعنيه، وينطِقُ لسان قلبه فيما يعنيه؛ يخرُسُ لسان طلبه لنفسه، وينطِقُ لسان طلبه للحق. في بداية المعرفة ينقطع الكلام ويذوب وجوده جملةً؛ يصير فانياً عنه وعن غيره، ثم إن شاء الحق عز وجل أنْشَرَه. إذا أراد منه الكلام، خلق له لساناً أنطقه به، يُنطِقُهُ بما يريد من الحِكَم والأسرار. يصيرُ كلامه دواءً في دواءٍ، نوراً في نورٍ، حقاً في حقٍ، صواباً في صوابٍ، صفاءً في صفاءٍ، لأنه لا يتكلّم إلاّ عن أمر من الله عز وجل من حيث قلبه. فإذا تكلّم عن غير أمرٍ هَلَك؛ لا يتكلّم إلاّ عن أمر وفعل غالب يقهره».[13]

ومعظم محاضرات شيخنا هي باللغة العربية، لأن غالبية الحضور هم عادة من العرب، ولكنّ كان يعظ أحياناً باللغة الكردية حين يكون معظم الحضور من الأكراد. وعند إرشاده من لا يتحدّث العربيّة أو الكرديّة، كالمتحدّثين بالإنكليزية، يقوم أحد المريدين بالترجمة. وكان يستخدم لغة بسيطة توصل كلماته العميقة المعاني إلى أفهام حتى أبسط الناس. ولذلك كان يعظ غالباً باللغة العامّية ولا يستخدم الفصحى إلا حين يتطلّب الأمر ذلك.

وهنالك شبه كبير بين كلام شيخنا ومواعظ الغوث الأعظم الشيخ عبد القادر الگيلاني التي كان يلقيها في مدرسته في بغداد. فكلام الوارث المُحَمَّدي لا يخاطب العقل فقط، ولكن يمس شغاف القلوب أيضاً. يصدر كلام الشيخ العارف بالله من قلب عامر بحب الله، ولذلك فيه نور وطاقة روحية، فيخترق حواجز نفس المريد وعوارض اهتماماته الدنيوية ليؤثّر على قلبه.

ولا يستخدم مشايخ الطريقة الوعظ وسيلة لاستعراض علومهم النقلية أو الروحية، لأن كلامهم بتوجيه من الله وفي سبيله. فهم يركزّون كلامهم على ما يزيد من همّة المريد على الذكر والعمل بما يريده الله. لذلك حَصَرَ شيخنا إرشاده بمواضيع معيّنة تذكّر المريد بمتطلبّات السير على الطريق إلى الله، مستشهداً بالآيات الكريمة والأحاديث الشريفة وأفعال الرسول ﷺ وأحواله وأخلاقه وسير مشايخ الطريقة وأقوالهم وكراماتهم. وحين يستشهد بكلام الله أو أحاديث النبي ﷺ، فإن السامع يجد فيهما في كل مرة لذةً خاصّة ووقعاً على القلب لا يقلّل منهما التكرار، وهذا شيء اختبره بشكل مباشر كل من أنصت إلى كلامه. ومن أقوال أستاذنا:

«نحن دائماً نكرّر الآيات والأحاديث وأقوال المشايخ: ﴿فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَىٰ﴾ (الأعلى/9)، لكي تنتفع يا مريد، وتفكّر مرة أخرى بأقوال الشيخ، بأقوال المشايخ، لأن أقوال الشيخ والمشايخ مطابقة للكتاب والسُنّة».[14]

وفيما يلي كلام له بخصوص ما يركّز عليه في وعظه:

«يقول البعض «الشيخ يكرّر كلامه». طبعًا أنا أكرّر كلامي للمريد، لكي أعلّمه وأفهّمه. أقول له الشيء نفسه في كل مرّة، بل أكرّره ألف مرّة. فإذا لا تقتدي فماذا بيدي؟ طبعًا الشيخ يعيد كلامه، لأنه يتكلّم بما عنده، فهو كصاحِب دكّان يبيع مما لديه في دكّانه لا شيء آخر! دكّاني عبادة، دكّاني سلوك، دكّاني أذكاري وأورادي. أنا أتحدّث عن أذكاري وأورادي، أتحدّث عن طريقتي، أتحدّث عن سلوكي، أتحدّث عمّا لديّ، عمّا أستطيع أن أتحدّث عنه. ليس لدي شيء آخر. هذه هي بضاعتي».[15]

وتنطق كلمات شيخنا هذه عن تواضع جمّ وتبيّن بأن هدف مواعظه الوحيد هو تربية المريد روحياً.

وهنالك الكثير من محاضرات شيخنا المصوَّرة والصوتية على الانترنيت.

الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان في عمان، الأردن (25 أيلول 2015).

4-11 التأليف والنشر

نشر الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد أربعة كتب باللغة العربية، من بينها موسوعة صوفية فريدة، لتعريف السائل عن الطريق إلى الله بأُسُسِ الطريق الصوفي بشكل عام والطريقة العليّة القادريّة الكَسْنَزانية بشكل خاص، وتعليم السالك عن متطلّبات الطريقة من أخلاق وسلوك وعبادات. وتُرجِمَت بعض هذه الكتب إلى غير العربية، علماً بأن كل هذه المنشورات متوفرة للتحميل مجاناً على الأنترنيت.

فيما يلي نبذة عن كتابات الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد المنشورة مرتّبة حسب تاريخ صدورها:

1) العنوان: الأنوار الرحمانية في الطريقة العَلِيّة القادِريّة الكَسْنَزانيّة.

مكان وتاريخ النشر: طُبعَ هذا الكتاب لأول مرة في بغداد عام 1988، ثم أعادت نشره مكتبة مدبولي في القاهرة عام 1990.

تعريف: خصّص الشيخ أول كتبه ليكون عرضاً تفصيلياً للأسس التاريخية والعقائدية للتصوف وقواعد سلوك المريد للطريق الصوفي. بالإضافة إلى آيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول ﷺ وآراء المؤلف، يستشهد الكتاب بآراء عدد كبير من المشايخ والمتصوفين والعلماء لتبيان حقيقة أن الطريقة ليست فقط جزءاً لا يتجزأ من الإسلام، وإنما هي روحه، والتأكيد على أن ممارساتها هي من صُلب الإسلام. ويتضمن الكتاب معلومات كثيرة عن الطريقة الكَسْنَزانيّة، بما في ذلك مشايخها وأذكارها وممارساتها التعبدية.

المحتويات: يحتوي الكتاب على مقدمة عن التصوف والصوفي وعرض لمختلف مقامات وحالات وممارسات التصوف، بما في ذلك التوبة، الصُّحْبة، المحبة، الرابطة، السماع، الذكر، المجاهدة، الصمت، السهر، العزلة، الخلوة، الخواطر، الخوف، الرجاء، الصدق، الإخلاص، الصبر، الرضا، الشكر، الزهد، الورع، والتوكل.

ويتناول الكتاب أيضاً آداب المريد في مجلس الشيخ، وداخل التكية، ومع إخوانه، وعند تناول الطعام، وفي النوم، وفي اللباس، وفي الجلوس، وآداب الطريق، وحكم سفره وقدومه على شيخه. كما يتطرق إلى مسائل شرعية مهمة مثل الطهارة، والوضوء، والصلاة.

ويشرح الكتاب كرامات الأولياء وكيف أنها امتداد لمعجزات النبي مُحَمَّد ﷺ، ويناقش ممارسات صوفية كثيراً ما يعترض عليها مَنْ جَهِلَ حقيقتها وأصلها الشرعي، مثل التوسل بالأولياء، وطلب المدد، وتقبيل يد الصالحين وإجلالهم. كما يتطرّق الكتاب إلى بعض الأخطاء الخطيرة التي يقع فيها بعض ممارسي التصوف مثل اتّباع شيخ ميت بدل شيخ حي أو اتّخاد أكثر من شيخ. ويستعرض كذلك حياة مشايخ الطريقة الكَسْنَزانيّة، ويشرح أذكارها وكيفية إعطاء البيعة فيها والخلوة والرياضات.

الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان أمام روضة مشايخ الطريقة الكَسْنَزانيّة في كَرْبْچْنَه أثناء تجديدها وتوسيعها (بداية الثمانينيات).

2) العنوان: جلاء الخاطر من كلام الشيخ عبد القادِر.

مكان وتاريخ النشر: بغداد، 1989.

تعريف: أصل هذا الكتاب مخطوطة تحتوي على محاضرات خمسة وأربعين مجلساً إرشادياً للشيخ عبد القادِر الگيلاني في مدرسته في بغداد. قام شيخنا بتحقيق المخطوطة معتمداً على ثلاث نسخ، واحدة في مكتبة الحضرة القادريّة، وأُخرى في مكتبة المتحف العراقي، وثالثة في مكتبة الأوقاف ببغداد. وكانت هذه أول مرّة يُحَّقَقُ فيها هذا الكتاب ويُنشَر.

لم ينشر الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد المجالس الخمسة والأربعين كفصول منفصلة في الكتاب، كما وردت في المخطوطة، وكما هو التقليد السائر عند تحقيق المخطوطات، بما في ذلك تحقيق مخطوطات مجالس الشيخ عبد القادِر الگيلاني. ولكنه قام بعمل إبداعي يزيد من قدرة القرّاء وممارسي التصوّف ودارسيه على الاستفادة من كلام الغوث الأعظم، حيث قسّمَ مواد المحاضرات إلى أربعين فصلاً يتناول كل منها موضوعاً صوفياً معيناً، مثل «الصبر»، و «العفو»، و «الفناء». فجمع من كل مجلس كلام الشيخ عبد القادر حول كل موضوع ووضعه في الفصل الخاص به. وتسهّل عملية التبويب الموضوعية الذكية هذه على القارئ الاطّلاع على أقوال الشيخ عبد القادِر حول كل من هذه المواضيع المهمة بشكل يصعب جمعه وتذكّره من دون هذا التبويب.

المحتويات: استهّل أستاذنا الكتاب بمقدّمة عن الحياة التعبّدية الاستثنائية للشيخ عبد القادر الگيلاني. أما فصوله فهي: آداب صُحْبة الشيوخ، التوبة، الوسيلة، المحبّة، التوكّل، الزُهد، الخوف، الصبر، الإخلاص، الصدق، الحزن، الرضا، التقوى، مجاهدة النفس، فضل الذكر، أعمال القلب، علوم الأولياء، العمل بالعلم، الإنفاق على الفقراء، العزلة، الخلوة، تعريف الصوفي، الفناء، العفو، نور المؤمن، ذم الدنيا، ثمرة العلم، ذم النفاق، فضل شهر رمضان، فضل الرحمة، النهي عن الظلم، ترك ما لا يعني، التواضع، ذم الرياء، الحسد، قَصر الأمل، الموت، حُسن الظن، الحياء، وتحمّل البلاء.

3) العنوان: الطريقة العليّة القادريّة الكَسْنَزانيّة.

مكان وتاريخ النشر: بغداد، 1998.

تعريف: هنالك مواضيع مشتركة بين هذا الكتاب وكتاب الأنوار الرحمانية، ولكن هذا الكتاب يتطرق إلى هذه المواضيع بشكل مختلف ويضيف إلى ما عرضه الكتاب الأول، كما أنه يتناول مواضيعَ كثيرة جديدة. فهذا الكتاب لا يحل محل كتاب الأنوار الرحمانية ولكنه يكمّله. ويوضّح الكتاب بعض المواضيع التي تثير جدلاً وخلافاً بين العلماء. ويعتمد الكتاب بشكل أساسي على الآيات الكريمة وأحاديث الرسول ﷺ وآراء وأقوال المشايخ والعلماء.

المحتويات: من المواضيع التي وردت في كتاب الأنوار الرحمانية التي يعالجها هذا الكتاب أيضاً هي مقامات الطريقة: التوبة، التوكل، الخوف، الرجاء، الصدق، الإخلاص، الصبر، الورع، الزهد، الرضا، الشكر، وكذلك تاريخ مشايخ الطريقة الكَسْنَزانيّة وأذكارها وآدابها. ويتناول بالتفصيل عظمة الرسول ﷺ والقرآن الكريم ومكانة آل بيت النبوة والرمز الذي يمثّله الإمام الحُسَين. كما يناقش الكتاب مكانة الإمام علي حامل علوم الطريقة بعد الرسول ﷺ. ويبحث معنى أن يكون الشيخ هو الوارث المُحَمَّدي، ويناقش موضوع الكرامات، بما في ذلك دليلها في الكتاب والسُّنّة، وكرامات آل البيت والصحابة والطريقة الكَسْنَزانيّة.

ويخصّص الكتاب فصلاً كاملاً لموضوع الوسيلة والتوسل، لأهميته ولكونه أكبر الاعتراضات التي يرفعها البعض ضد التصوف. مستشهداً بالقرآن الكريم والسُّنّة النبوية الشريفة، يبيّن الكتاب صحّة التوسّل بالنبي ﷺ وآل بيته، والاعتقاد بالشفاعة، وزيارة مراقد الأولياء، والتبرّك بآثار الرسول ﷺ والصالحين. كما يتطرق الكتاب إلى جواز السماع.

4) العنوان: موسوعة الكَسْنَزان فيما اصطلح عليه أهل التصوّف والعرفان.

مكان وتاريخ النشر: دمشق، 2005، دار المحبة.

تعريف: تتكوّن الموسوعة من أربعة وعشرين جزءاً، وهي عمل فريد ليس له سابق. فهنالك على الأقل موسوعة واحدة عن كل علم من العلوم، ولكن هذا العمل هو الموسوعة الوحيدة المتخصصة بالتصوّف. واستخدم الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد في إعدادها مئات المصادر، بما في ذلك مئة وخمسين مخطوطة لم تُحقَّق من قبل، مثل جواهر الأسرار ولطائِف الأنوار للشيخ عيسى بن الشيخ عبد القادر الگيلاني. واستعان شيخنا في إعداد الموسوعة بمخطوطاتٍ في عدد من المكتبات، منها مكتبات المخطوطات في العراق، والمكتبة السليمانية ومكتبة أتاتورك في إسطنبول، والمكتبة البريطانية في لندن.

وتتطلّب أية موسوعة بهذا الحجم فريقاً كاملاً من المتخصّصين في مختلف العلوم الفرعية التي يتناولها هكذا عمل شامل، لكن شيخنا قام بهذا العمل البحثي الهائل وجمع هذه الموسوعة الضخمة بمساعدة عدد من الدراويش الذين ساعدوه في العثور على المخطوطات والمصادر المطبوعة ليراجعها بنفسه وينتقي منها المواد التي يريدها للموسوعة، ونسخ ما يطلب منهم تصويره من المصادر، وأحياناً البحث في المصادر التي يوجّههم للبحث عنها.

استغرق العمل في هذا المشروع الضخم أكثر من ربع قرن، ولكن شيخنا لم يصرّح في بدايته بأن الهدف هو إعداد موسوعة للتصوف. إذ كان يتحدّث عن جمع آراء المشايخ عن مختلف مصطلحات التصوف، ولكنه بدأ في وقت متأخر يشير إلى فكرة الموسوعة.

ويذكر شيخنا في مقدمة الموسوعة أهداف وضع هذا العمل الهائل كماً ونوعاً:

  • إلقاء الضوء على تاريخ التصوف الإسلامي منذ نشأته إلى عصرنا الراهن، لاسيما في هذا الزمن الذي غدا فيه العالم في مجاعة روحية.
  • سد حاجة المكتبة الإسلامية لهذا النوع من الأعمال الصوفية المعجمية، في الوقت الذي تزخر فيه بالموسوعات والمعاجم في شتى العلوم الدينية الأخرى.
  • إلقاء الضوء على أصول ومبادئ ومراحل ومعايير المصطلحات الصوفية ضمن إطار تخطيط معجمي معاصر.
  • كشف الغطاء عن شيء من معاني علوم الصوفية وأعمدة أصولهم وأسس مذهبهم، ورفع النقاب عن مقاماتهم ومراتبهم وأحوالهم ومواجيدهم وما اختصوا به من مقامات التقرب إلى الله تعالى.
  • الكشف عن الترابط بين ماضي المصطلحات الصوفية وحاضرها وتوحّد غايتها، رغم تعدد وتنوّع طرقها.
  • تيسير فهم المصطلحات الصوفية.
  • توفير مرجع صوفي كامل يغني الباحث وطالب العلم في هذا المجال عن الرجوع إلى الكتب والمكتبات.
  • تسهيل تتبُّع المصطلحات عبر التاريخ بترتيبها حسب تسلسلها الزمني، مما يسهّل دراستها بشكل تحليلي مُقارن.[16]

المحتويات: تحتوي هذه الموسوعة على آلاف المصطلحات التي استخدمها المتصوّفون حصراً في كتاباتهم وأقوالهم، إضافة إلى مصطلحات لم يقتصر استخدامها عليهم ولكنهم أسبغوا عليها معانٍ صوفية، مثل أسماء الله الحسنى، وأسماء الرسول ﷺ. كما تشمل الموسوعة على ألفاظٍ عامة، مثل «بيت» و «شجرة»، اتخذها الصوفية رموزاً وكنايات، مما أعطاها معانٍ اصطلاحية. وتذكر الموسوعة المعاني المختلفة لكل مصطلح وفقاً لعدد من المتصوفين.

تبدأ الموسوعة في تقديم المعنى اللغوي للمصطلح في المعاجم، تتبعه بمواضع وروده في القرآن العظيم، ثم مواقع وروده في السُّنّة الشريفة، إن وُجِدَ فيها، قبل أن تتناول معانيه عند مشايخ التصوف. ومن مظاهر إبداع الموسوعة هو ترتيبها آراء المشايخ حسب تسلسلهم الزمني، مما يسهّل تتبع تطور كل مصطلح وتغيّره عبر التاريخ. وزيادة في الفائدة، تشير الموسوعة إلى آراء بعض الباحثين الذين نقلوا آراء المشايخ الصوفية وعلّقوا عليها. كما تذكر الموسوعة معنى المصطلح عند مشايخ الطريقة الكَسْنَزانيّة.

وأول مصطلح في الموسوعة هو حرف «الألف» وآخرها هو «الأيام الكِبار» المشتق من مادّة «يوم»، وعدد المصطلحات والألفاظ يتجاوز العشرة آلاف. وتشغل المصطلحات اثنين وعشرين جزءاً، وخُصِّصَ الجزء الثالث والعشرون لتراجم أهم المشايخ والعلماء والباحثين الذين وردت آراؤهم في الموسوعة، فيما يحتوي الجزء الرابع والعشرون والأخير على عدد من الفهارس، منها فهرس المصطلحات وفهرس الألفاظ ومصادر الموسوعة.

وأشاد العلماء والأكاديميون الذين اطّلعوا على الموسوعة على فرادتها وأهمّيتها وشموليتها، وأجمعوا على أنها إضافة ثمينة إلى المكتبة الصوفية بشكل خاص والمكتبة الإسلامية عموماً.

كما جمع شيخنا كتابي أدعية لمريدي الطريقة الكَسْنَزانيّة:

1) العنوان: الصلوات الكَسْنَزانيّة.

مكان وتاريخ النشر: بغداد، 1990.

المحتويات: يحتوي هذا الكتاب على مجموعة من أجمل وأقوى الصلوات على النبي ﷺ. فللصلاة على الرسول ﷺ مكانة خاصة بين أذكار الطريقة الكَسْنَزانيّة، كما سنتطرق بالتفصيل في القسم 12-3. وطبع شيخنا هذا الكتاب في تسعينيّات القرن الماضي، حين جمع ذلك المجلّد، ولكن استمر جمع الصلوات على النبي ﷺ تحت إشرافه، فجُمِعَ من الصلوات المباركة ما يتجاوز العشرة أجزاء وهو عمل لم يُنشَر بعد.

2) العنوان: حزب الواو.

المحتويات: يجمع هذا الورد الفريد الذي بُلِّغَ به شيخنا في عام 2013 كل الآيات القرآنية التي تبدأ بحرف الواو، متسلسلة حسب ورودها في المصحف. وقال شيخنا أن هذا الوِرْد هو «بأمر من الله إلى حضرة الرسول ﷺ، إلى المشايخ، والمشايخ بلّغوني به».[17]

وأشرف أستاذنا على إعداد أدبيّات الطريقة التعليميّة من كراريس وكتيّبات، مثل كُتيِّبي «مصطلح الطريقة في الشريعة الإسلامية» و «أوراد الطريقة العليّة القادريّة الكَسْنَزانيّة».

[1] الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان، موعظة، 22 كانون الأوّل 2005.

[2] الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان، موعظة، 2 آذار 2013.

[3] الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان، موعظة، 22 كانون الأوّل 2005.

[4] البخاري، الجامع الصحيح، ج 2، ح 2846، ص 173. إن «حُمْرِ النَّعَمِ» هي الإبل الحُمْر، وكان العرب يعتبروها من أنفس ما يمكن أن يملك المرء.

[5] فتوحي، السَّيِّدُ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ المُحَمَّد الكَسْنَزانُ الحُسَيْنِي؛ التصوّف في الطريقة العَلِيّة القادِريّة الكَسْنَزانِيّة؛ كرامات الطريقة الكَسْنَزانِيّة في الهند.

[6] فتوحي، كرامات الطريقة الكَسْنَزانِيّة في الهند، ص 79-83.

[7] للمزيد من التفاصيل، راجع فتوحي، السَّيِّدُ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ المُحَمَّد الكَسْنَزانُ الحُسَيْنِي، ص 56-58.

[8] الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان، موعظة، 22 كانون الثاني 2010.

[9] البخاري، الجامع الصحيح، ج 1، ح 471، ص 171.

[10] مسلم، صحيح مُسلم، ج 4، ح 2586، ص 1999-2000.

[11] الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان، موعظة، 22 كانون الثاني 2010 .

[12] الرازي، مفاتيح الغيب، ج 15، ص 113.

[13] الشيخ عبد القادر الگيلاني، جلاء الخاطر، ص 103.

[14] الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان، موعظة، 11 كانون الثاني 2014.

[15] الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان، موعظة، 18 أيلول 2013.

[16] الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان، موسوعة الكَسْنَزان فيما اصطلح عليه أهل التصوّف والعرفان، ج 1، ص 12-13.

[17] الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان، موعظة، 12 أيلول 2013.

لؤي فتوحي 2004-2021. جميع الحقوق محفوظة.
 http://www.facebook.com/LouayFatoohiAuthor
 http://twitter.com/louayfatoohi
 http://www.instagram.com/Louayfatoohi

Share