الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان في احتفال مولد حضرة الشيخ عبد القادِر الگيلاني، عمّان، الأردن (22 كانون الثاني 2016).
إذا صح القلب صار شجرةً لها أغصان وأوراق وثمار. تصير فيه منافع للخلق: الأنس والجن والمَلَك. إذا لم يكن للقلب صحّة فهو كقلوب الحيوانات، صورة بلا معنى، آنية بلا ماء، شجرة بلا ثمر، فص بلا خاتم، قفص بلا طائر، دار بلا ساكن، كنز مجموع فيه دنانير ودراهم بلا مُنفق، جسد بلا روح، كالأحبار التي مُسخت فهي صورة بلا معنى. والقلب المعرض عن الله عز وجل الكافر به ممسوخ، ولهذا شبّهه الله بالحجر فقال الله تعالى: ﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً﴾ (البقرة/74)
الشيخ عبد القادِر الگيلاني (جلاء الخاطر، ص 39)
لما كان التصوّف هو الإسلام الكامل، فإنّ على طالبه تعلّم أسسه في القرآن الكريم والسُنّة النبوية الشريف. وهذا الكتاب يعرض بشكل مختصر ولكن عساه وافي مفاهيم وممارسات التصوّف في مصدري الإسلام الرئيسين هذين، مع تفاسير لها من كلام وسير مشايخ الطريقة العَلِيّة القادِريّة الكَسْنَزانيّة، وعلى وجه الخصوص أستاذنا الغائب الحاضر الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان.
الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان في البصرة (1991).
ولكن هنالك حقيقة جوهرية عن التصوّف، الجانب الروحي للإسلام، يؤكّدها هذا الكتاب باستمرار وبأشكال مختلفة. إن الفهم الصحيح للتَصوّف بأنه جوهر الإسلام، الذي تمثّل الشريعة غلافه، وإن كان ضرورياً لطالب هذا العلم فإنه لا يمنحه سوى مدخلاً إليه. أما التعرّف على حقيقته والتقدم فيه فيتطلّب ممارسته، لأن التصوّف هو ممارسة أكثر مما هو دِراسة، فهو عِلمٌ خبراتي. والسبب هو أن هدف الإسلام هو تطهير قلب المسلم، كما قال الله عز وجل:
﴿يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (٨٨) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّـهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ (الشعراء/٨٩).
ونجد التأكيد على أن القلب هو موضع نشوء الإسلام وتذوّقه وتطورّه في حديث النبي ﷺ:
«إِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ. أَلاَ وَهِيَ الْقَلْبُ».[1]
الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان في حلقة الذكر، ربما في الرمادي (نهاية الثمانينيّات أو بداية التسعينيّات).
فكم من طالب للتصّوف أمعن في دراسته من غير أن يجعله أسلوباً لحياته، فعَلِمَهُ عَقْلاً ولكن جَهَلَهٌ قلباً. فعسى أن يكون هذا الكتاب قد نجح في توضيح أهمية تجاوز تجربة المرء للتصوّف من حدود الفهم إلى فضاءات الممارسة لكي يتحوّل من دارس للتصوف إلى صوفيّ.
[1] البخاري، الجامع الصحيح، ج 1، ح 52، ص 66.
لؤي فتوحي 2004-2021. جميع الحقوق محفوظة.
http://www.facebook.com/LouayFatoohiAuthor
http://twitter.com/louayfatoohi
http://www.instagram.com/Louayfatoohi