الفصل (2) الصُّحْبَةُ: دليلُ الطَّريقِ إلى الله

Share

الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان باللباس العربي، كركوك (ربما نهاية الثمانينيات).

يا أصحاب الصوامع والزوايا، تعالوا ذوقوا من كلامي ولو حرفاً واحداً، اصحبوني يوماً أو أسبوعاً لعلّكم تتعلّمون شيئاً ينفعكم. وَيْحَكم، الأكثر منكم هَوَس في هَوَس، تعبدون الخلق في صوامعكم. هذا الأمر لا يجيء بمجرّد القعود في الخلوات مع الجهل. ويلك، امشِ في طلب العلم والعلماء حتى لا يبقى مشي؛ إمشِ حتى لا يطاوعك شيء؛ فإذا عجزت فاقعد. إمشِ بظاهرك، ثم باطنك، ثم بقلبك ومعناك؛ فإذا عييت ظاهراً وباطناً وقعدتَ، جاءك القرب من الله عز وجل والوصول إليه.

الشيخ عبد القادر الجيلاني (جلاء الخاطر، ص 8)

إن سلوك منهج الإسلام الروحي يتطلّب صحبة أستاذ قد آتاه الله من العلوم والصفات والمواهِب ما تمكّنه من مساعدة طالبي الوصول إليه. وهذه الصحبة هي جوهر الطريقة. فلو أردنا تعريف «الطريقة» بكلمة واحدة لا أكثر فإن «الصُّحْبة» هي أدق تعريف لها.

1-2 ضرورة الصُّحْبة

للصُّحْبة تأثير كبير ومباشر على الإنسان، إما تقرّبه من الله أو تبعده عنه، وهنا يقارن الله عز وجل بين الصحبة الطيّبة والسيّئة:

﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (٢٧) يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (٢٨) لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي ۗ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا﴾ (الفرقان/27-٢٩).

﴿الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ﴾ (الزخرف/٦٧).

ومن أقوال الرسول ﷺ في تأثير الصُّحْبة على المرء: «الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ».[1] كما أخبرتنا كثير من الأحاديث النبوية الشريفة عن أهمية الصُّحْبة الصالحة في الوصول إلى الله، ومنها أنّه ﷺ سُئِلَ يوماً: «أي جُلسائِنا خير؟»، فأجاب: «من ذكّرتكم بالله رُؤيتُه، وزادَ في عِلْمِكم منطِقُه، وذكَّرَكم بالآخرةِ عَمَلُه».[2] وتساعد الصُّحْبة الصالحة المرء على اكتشاف عيوبه وإصلاحها، ولذلك قال النبي ﷺ: «المؤمنُ مِرآةُ المؤمِنِ»،[3] وهذا وصف عام ينطبق على كل المؤمنين. ومن أقواله ﷺ في الصُّحْبة:

«مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ.[4] فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ،[5] وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً. وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ منه رِيحًا خَبِيثَةً».[6]

الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان بعد الانتهاء من إحدى زياراته اليومية إلى المكتبة البريطانية في لندن، ويظهر فيها نجله الأكبر وشيخ الطريقة الحالي الشيخ نهرو، وأخيه الشيخ عقيل، ومرافقه الحاج لطيف (منتصف 2000).

وتبيّن أقوال الرسول ﷺ أهمية اختيار المرء بدقة من يصاحِب، لأن الإنسان لا يمكن إلا أن يتأثَّر بأخلاق وسلوك وطباع من يصاحِب، تأثّراً محسوساً ظاهراً وآخر روحياً خفياً يجعلا في الصاحِب بعض أحوال صاحِبه. وتنطبق هذه الأوصاف على أية صُحْبة بشكل عام.

ومن أوضح الدلائل على أهمية الصُّحْبة وأنها كانت دائماً وسيلة لا غِنى عنها في التقرّب إلى الله ما جاء في قصة النبي موسى مع الخَضِر عليهما السلام. أولاً، كان موسى مُصاحَباً بفتى يتلقى من كليم الله العلم وتزكية النفس: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا﴾ (الكهف/60). ثانياً، إن الدرس الرئيس في القصة هو بحث كليم الله وصاحِب التوراة، بأمر من الله، عن رجل معيّن ليتّبعه ويتعلّم منه. فرغم مكانة هذا النبي وقربه من الله، كان هنالك من تزيده صحبتُه خيراً. ثالثاً، لابد أن يمتلك المُصاحَب المؤهلات التي تتطلّبها تلك الصحبة، مثلما وصف الله ميّزات الخَضِر: ﴿عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا﴾ (الكهف/65). وميّز اللهُ الرجلَ الذي أرسل موسى للبحث عنه بثلاث صفات، أولها هو أنه كان عبداً قد حقّق شرط العبودية. فكل خَلق الله هم عباده كَرهاً، ولذلك فإن وصفه عز وجل لهذا الرجل بالعبودية هو إشارة إلى أنه كان عبداً طوعاً لا كَرهاً فقط. والصفة الخاصة الثانية هي أن الله آتاه رحمة، أي نعِماً خاصة أنزلها على هذا العبد الكامل. أما الصفة الثالثة فتعليم الله له لعلم ربّاني خاص، ولذلك قال عن هذا العلم بأنه من «لدنه» ولم يقل بأنه من «عنده»، لأن ظرف المكان «لَدُن» يشير إلى قرب أكبر وخصوصيّة أكثر من «عِنْد».[7] وهذا العلم اللَّدُنّي هو سر طلب موسى صُحْبة الخَضِر: ﴿هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا﴾ (الكهف/66).

رابعاً، حين وجد موسى المعلّم الذي كان يبحث عنه طلب صحبته، لكن الخَضِر عرف بعلمه اللَّدُنّي بأن موسى لن يقدر على شروط الصحبة: ﴿قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا﴾ (الكهف/٦٧)، لأن موسى لم يكن معتاداً على صُحْبة من يفوقه علماً، فكانت أفعال الخَضِر أغْمَضَ من أن يستطيع فهمها وتفسيرها: ﴿وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا﴾ (الكهف/68). خامساً، أحد شروط الصُّحْبة الطاعة الكاملة، لأن المُصاحَب أعلمُ بحال المُصاحِبِ من نفسه، ولذلك وَعَدَ موسى بأن يسلّم أمره إلى الخَضِر: ﴿سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّـهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا﴾ (الكهف/69)، وأكدّ جواب الخَضِر أيضاً أهمّية الطاعة: ﴿فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّىٰ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا﴾ (الكهف/70).

ولا يمكن سلوك الطريق إلى الله من غير مرشد يعرفه خير المعرفة، ولذلك أرسل الله عز وجل الأنبياء ﷺ فأيّدهم بعلوم ونور منه ليرشدوا الناس إليه. بل لم يوجد يوماً من سلك الطريق إلى الله من غير صاحِب ينوّر له الطريق ويقوده عليه. فحتى صحابة الرسول ﷺ ما كان لهم أن يكتفوا بالقرآن دون صُحْبة المعلم الأكبر ﷺ، بل إن من دلائل كون صحبتهم للنبي ﷺ هي من أكبر نعم الله عليهم أنهم مُيِّزوا بلقب «الصحابة»، أي صحابة الرسول ﷺ. وهكذا كل من جاء بعدهم أيضاً يحتاج للصحبة، ولذلك قال ﷺ:

«إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي، أَحَدُهُمَا أَعْظَمُ مِنَ الآخَرِ: كِتَابُ اللَّهِ، حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ؛ وَعِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي. وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَليَّ الْحَوْضَ، فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِي فِيهِمَا».[8]

الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان في بيت أحد أقربائه، السليمانية (النصف الأول من العقد الأول).

فحتى القرآن الكريم لا يُغني السالك على الطريق إلى الله عن الصاحِب المرشِد، لأنه رغم أن في كتاب الله تفصيل كل أمور الدين، فإن المرء يحتاج لمرشد يساعده في جعل حياته تطبيقاً صحيحاً ودقيقاً لأوامر ونواهي القرآن العظيم، أي يحتاج لمن يجعله يحوّل النظرية إلى تطبيق عملي. ويلخّص القول المعروف التالي أهمّية المرشد ببلاغة جميلة: «والله ما أفْلَحَ من أفْلَحَ إلا بصحبة من قد أفْلَح».[9]

وضرورة الصُّحْبة هي دليل آخر على أن الصيغ المختلفة للحديث النبوي أعلاه التي تستبدل أهل بيت النبي ﷺ بسنّته كلّها موضوعة، لخلوها من الصُّحْبة.[10] إن السُّنّة، قولاً وفعلاً، هي تفسير القرآن، كما يقول شيخنا، وليست شيئاً يُضاف إليه. وهذه الحقيقة تؤكد ملاحظتنا بإن التحريف الذي أُدخِلَ على هذا الحديث ليس «إضافة» مفهوم السُّنّة إليه ولكن «حذف» دور الصُّحْبة وأن من فرض الله صحبتهم هم آل بيت النبوة.

من الطبيعي إذاً أن نجد بأن شيخ الطريقة أيضاً لا يصل إلى هذه المرتبة الروحيّة إلا باتباعه لأستاذ معلِّم. فمن يقرأ تاريخ أي شيخ من مشايخ الطريقة يجد بأنه لابد وأن يكون قد صاحَبَ شيخاً لحاجته للتتلمذ على يد أستاذ روحي، فكل أستاذ كان يوماً ما تلميذاً. فكل الذين وصلوا إلى الله، بما في ذلك مشايخ الطريقة، وصلوا بالصُّحْبة في سبيل الله، التي بدأت بصحبة الرسول ﷺ.[11]

ونرى في بحث موسى عن الخَضِر بأنه كان مستعدّاً للسفر، مهما طالَ أو بَعُدَ، في سبيل العثور على من كانت صحبته سترفع من حاله، حيث قال لفتاه: ﴿لَا أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا﴾ (الكهف/60). كانت علامة انتهاء البحث التي عرّفها الله لموسى هي الوصول إلى مجمع البحرين، فترى في كلماته إصراراً على ألا يتوقّف قبل الوصول إلى ذلك المكان ولو طال به السفر. وكذلك فإن تاريخ التصوّف غني بسِيَرِ مشايخٍ قطعوا مسافاتٍ هائلة، في أزمان كان السفر فيها شاقاً جداً، بحثاً عن أساتذة يصاحبوهم ويتعلّموا على أيديهم آداب الطريق إلى الله. فالشيخ عبد القادِر الگيلاني، على سبيل المثال، هاجر وهو في مقتبل العمر من إيران إلى العراق بحثاً عن أستاذ.

وضرورة الصُّحْبة ليست مقصورة على علم الطريقة الروحي، وإنما تشمل علوم الدين النقليّة أيضاً. فمثلاً قراءة القرآن وتعلّم الحديث وغيرها من علوم الدين النقليّة لا يمكن الترقّي فيها من غير الدراسة على أيدي من برع فيها. فالسفر بحثاً عن أساتذة يدرس المرء على أيديهم ما يبغي من العلوم كان تقليداً ثابتاً عند طلاب العلوم النقلية أيضاً على مر التاريخ. بل وحتى طالب العلوم العقلية غير الدينية يحتاج إلى الذهاب إلى خبراء تلك العلوم ليتتلمذ على أيديهم.

الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان يتفقّد مطبخ التكية، بغداد، (النصف الثاني من التسعينيات).

استشهد الشيخ عبد القادِر الگيلاني في كتابه «جلاء الخاطر»[12] بالحديث الشريف «استعينوا على كلّ صنعةٍ بصالحِ أهلها» وربطه بضرورة اتّباع طالب الوصول إلى الله لشيخ عارف بالله:

«هذه العبادة صنعة، وصالحو أهلها المخلصون في الأعمال، العاملون بالحُكم، العالمون به، المودّعون للخَلق بعد معرفتهم بهم، الهاربون من أنفسهم ومن أموالهم وأولادهم وجميع ما سوى ربهم عز وجل بأقدام قلوبهم وأسرارهم. مبانيهم في العمران بين الخَلق، وقلوبهم في البراري والقفار. لا يزالون على ذلك حتى تتربّى قلوبهم وتتقوّى أجنحتها فتطير إلى السماء. علت همّتهم فطارت قلوبهم وصارت عند الحق عز وجل، فصاروا من الذين قال الله عز وجل في حقهم: ﴿وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ﴾ (ص/47)».[13]

وكما أن واجب طالب الوصول إلى الله مُصاحَبَة أستاذه الروحي، فإن على الأستاذ أن يوجّه المريد من غير هوى ولا مداهنة: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّـهِ ۚ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ﴾ (الحجرات/7). وكذلك فإن واجب شيخ الطريقة توجيه المريد وفقاً لنهج النبي مُحَمَّد ﷺ من غير تفريط. ومثلما سخَّرَ النبي ﷺ نفسه وحياته للإسلام، فإن شيخ الطريقة يكرّس حياته لتعليم وخدمة الدراويش. لذلك كان كثيراً شيخنا ما يتحدّث عن أهمية الدرويش عنده:

«إن أعزّ شي عند مشايخ الطريقة هو أنتم، الدراويش. فالدراويش أعزّ من الابن، أعزّ من الأخ، أعزّ من الأب، أعزّ من كل شي، لأن شيخ الطريقة كَرَّسَ حياته لخدمتكم. حين يراكم فإنه كالبستاني حين يدخل صباحاً إلى بستانه ويرى الورود المتفتّحة، ويشم رائحتها العطرة، يرى تلك الورود الجميلة في بستانه، فيغمره الفرح. فحين يراكم الشيخ هكذا يفرح، لأنه يرى ثمرة طريقته، يرى الورود، يرى هذا الوجه المبارك، وجه الطريقة، يرى أولاده، يرى إخوانه، يرى قطعة من قلبه، يرى خلية من خلايا شاه الكَسْنَزان،[14] يتباهى بكم. الناس يملكون المال، ولكننا نملك الروح. فأرواحكم هي جزء من روح الإسلام، كلنا مرتبطون روحيًا بالروح الأعظم. فأعز شي عند الشيخ هو الدرويش والخليفة،[15] أنتم أعز شيء عند الشيخ. لا يملك الشيخ شيئاً أعزّ منكم، لا والله. لقد كرّستُ كل حياتي لخدمتكم».[16]

الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان خلال نشاطه مع الحركة الكرديّة، قره داغ (1963).

وكذلك يصف جميع المشايخ علاقتهم بالمريد. فهذا مثلاً ما نقلَ شيخنا عما كان أستاذه، الشيخ عبد الكريم، يعلّمه ويوصيه بشأن الدراويش:

«حين كنت صغيراً في زمن السيد عبد الكريم كان دائماً يبلغني ويقول لي «احذر، لا تقرَب الدراويش، لا تؤذي الدراويش، لا تؤذي الخلفاء، فهم أعزّاء، والمشايخ لا يرضون بأذاهم، احذر». كان دائماً يحذّرني ويقول «الخلفاء والدراويش أعزّاء عند مشايخ الطريقة، هم أعز منك، لأنهم خلفائي، إنهم دراويش، لا تقربهم، لا تؤذيهم». كان دائماً يعلّمنا تربية الدروشة، تربية وأخلاق الدراويش. كان يقول «الدرويش عزيز». حتى حين كان يُجلَبُ المجانين إلى التكية كان يمنعنا من التقرّب منهم، ويقول: «الدرويش خطر، حتى إذا كان مجنوناً فهو خطر، لا تقتربوا منه. ابتعدوا عنه، لا تؤذوه». فالدرويش عزيز، الدرويش نور، رحمة، بركة للطريقة؛ الدرويش ثمرة الطريقة، الدرويش بستان الطريقة».[17]

وكان الشيخ عبد الكريم يوصي الذين كانوا يرعون الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد في صغره بأن يمنعوه من الاقتراب من الدراويش خشية أن يؤذيهم دون قصد أو يؤثّر على قلوبهم الدائمة الذكر لله والمرتبطة بقلب شيخهم. والخطر الذي يشير إليه الشيخ عبد الكريم فيما نقله عنه أستاذنا هو أن للدرويش السالك طاقة روحية مستمدة من طاقة أستاذه، ولذلك فإن إيذاءه، وإن كان غير مقصودٍ، يمكن أن يعود بالأذى على من آذاه.

2-2 تَزْكِية النفس

ليس الطريق إلى الله طريقاً ظاهرياً فحسب وإنما منهجاً روحياً، ولذلك فإن دور المرشد إلى هذا الطريق هو روحي خفي وليس فقط ظاهري ملموس مثلما هو حال دليل الطرق المادية. وقد صرّح الله بهذا في وصفه لدور الرسول ﷺ في إرشاد المسلمين:

﴿كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ﴾ (البقرة/١٥١).

الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان في زيارة الشيخ عبد الجبار الكَيْلاني، بغداد (التسعينيات).

فبالإضافة إلى تعليم مُحَمَّد ﷺ المسلمين من العلوم التي أنزلها الله عليه، تذكر الآية أيضاً دوراً آخر للرسول ﷺ غاية في الأهمية هو «تزكية» المسلمين. والتزكية هي تأثير روحي باطني يختلف عن التعليم العقلي الظاهري. فإضافة إلى حاجة السائر على الطريق إلى الله إلى مرشد عالم بالقرآن وبسُنَّة النبي ﷺ المُفسِّرة له يأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر، فإن المريد يحتاج أيضاً بأن تكون للمرشد بركة التزكية الروحية لتساعده في جهاده الداخلي لتطهير نفسه. وحال التزكية هذا هو سر ضرورة الصُّحْبة في الإسلام. ويقول الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان في هذا الخصوص:

«فالطريق العملي الموصِل لتزكية النفوس والتحلي بالكمالات الخلقية هو صُحْبة الوارث المُحَمَّدي والمرشد الصادق، الذي تزداد بصحبته إيماناً وتقوى وأخلاقاً، وتشفى بملازمته وحضور مجالسه من أمراضك القلبية وعيوبك النفسية، وتتأثر شخصيتك بشخصيته التي هي صورة عن الشخصية المثالية، شخصية رسول الله ﷺ.

من هنا يتبين خطأ من يظن أنه يستطيع بنفسه أن يعالج أمراضه القلبية وأن يتخلص من علله النفسية بمجرد قراءة القرآن الكريم والاطلاع على أحاديث الرسول ﷺ. وذلك لأن الكتاب والسُّنّة قد جمعا أنواع الأدوية لمختلف العلل النفسية والقلبية، فلابد معهما من طبيب يصف لكل داء دواءه ولكل علة علاجها. فقد كان رسول الله مُحَمَّد ﷺ يطبّب قلوب الصحابة ويزكّي نفوسهم بحاله وقاله».

ثم يستشهد شيخنا بما جرى للصحابي الجليل أُبيّ بن كعب:

«كُنْتُ فِي الْمَسْجِدِ فَدَخَلَ رَجُلٌ يُصَلِّي، فَقَرَأَ قِرَاءَةً أَنْكَرْتُهَا عَلَيْهِ. ثُمَّ دَخَلَ آخَرُ، فَقَرَأَ قِرَاءَةً سِوَى قِرَاءَةِ صَاحِبِهِ.[18] فَلَمَّا قَضَيْنَا الصَّلاَةَ، دَخَلْنَا جَمِيعًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقُلْتُ: «إِنَّ هَذَا قَرَأَ قِرَاءَةً أَنْكَرْتُهَا عَلَيْهِ، وَدَخَلَ آخَرُ فَقَرَأَ سِوَى قِرَاءَةِ صَاحِبِهِ». فَأَمَرَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَرَءَا، فَحَسَّنَ النَّبِيُّ ﷺ شَأْنَهُمَا. فَسُقِطَ فِي نَفْسِي مِنَ التَّكْذِيبِ وَلاَ إِذْ كُنْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَا قَدْ غَشِيَنِي ضَرَبَ فِي صَدْرِي فَفِضْتُ عَرَقًا، وَكَأَنَّمَا أَنْظُرُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَرَقًا».[19]

الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان في جلسة مدائح، مسجد تكية بغداد، (حوالي 1992).

أي أن استحسان الرسول ﷺ للقراءتين المختلفتين جعل شكاً َوَصَلَ حد تكذيبه له يدخل قلبَ أُبيّ، فأدرك الرسول ﷺ ما حدث له، فضربه ضربة خفيفة على صدره طَهَّرَ بها قلبَه مما طَرَأً عليه:

«ولهذا لم يستطع أصحاب رسول الله ﷺ أن يطبّبوا نفوسهم بمجرد قراءة القرآن الكريم، ولكنهم لازموا مستشفى رسول الله ﷺ فكان هو المزكّي لهم، والمشرف على تربيتهم، كما وصفه الله تعالى بقوله: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾ (الجمعة/٢). فالتزكية شيء وتعليم القرآن شيء آخر. إذ المراد من قوله تعالى ﴿يُزَكِّيهِمْ﴾ يعطيهم حالة التزكية، ففرق كبير بين علم التزكية وحالة التزكية، كما هو الفرق بين علم الصُّحْبة وحالة الصُّحْبة، والجمع بينهما هو الكمال».[20]

تبيّن الآية الكريمة بأن تزكيته النفوس، حالها حال تعليمه المسلمين القرآن والكتاب والحكمة، ليست شيئاً اكتسبه الرسول ﷺ أو أسبغه على نفسه، وإنما هي أحوال وهِبات من الله. فبينما يمكن للناس دراسة وتدريس القرآن وعلومه، لأنها علوم تُكتَسَب بالنقل والعقل والموهبة، فإن حال التزكية هو أمر روحي خالص لا يؤخذ إلا بصحبة من أنعم الله عليه بتلك النعمة الخاصة. فهو بركة تحل من المُصاحَب على المُصاحِب فتزيده تعلقاً بالله وحباً له، وتُحبِّب إليه التقرّب إلى الله وتُكرِّهَ له الابتعاد عنه، وتسهّل عليه اتّباع أوامره والانتهاء عن نواهيه. فالشيخ المرشد هو من يجمع علم التزكية وحال التزكية، فيخاطب بذلك العلم عقل المُريد ويطبّب بذلك الحال قلبه وروحه.

الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان في جلسة مدائح، عمّان، (14 نيسان 2014).

وهنالك لطيفة في القرآن الكريم في تفسير دور النبي ﷺ في تلاوة الكتاب على الناس وتزكيتهم وتعليمهم الكتاب والحكمة. يخبرنا القرآن الكريم عن دعاء النبي إبراهيم الذي تحقّق في مُحَمَّد ﷺ: ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ (البقرة/129)، ولكن حين يكون الله هو المتكلّم عن وظيفة النبي ﷺ هذه في إرشاد الناس في ثلاث آيات أخرى (البقرة/151، آل عمران/164، الجمعة/2)، نجده يقدّم فعل التزكية على تعليم الكتاب والحكمة، كما في هذه الآية على سبيل المثال: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾ (الجمعة/2). وفي هذا تأكيد إلهي لطيف على أهمية التزكية المُحَمَّدية في تأهيل المسلم روحياً. وهكذا فإن التزكية الروحية، التي لا تحدث إلا بالصُّحْبة، هي من أهم وظائف النبي ﷺ وكل من يخلفه روحياً.

إن مصدر البركة الروحية لصحبة الرسول ﷺ هو النور الذي جعله الله فيه: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّـهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ﴾ (المائدة/15). وهذه الآية الكريمة ذات شطرين يبدأ كلٌ منها بتعبير ﴿قَدْ جَاءَكُم﴾ ليشير إلى الرسول ﷺ والقرآن الكريم. ويذكر الشطر الأول مُحَمَّد ﷺ «صراحةً»، في قوله ﴿رَسُولُنَا﴾، والقرآن «ضمنياً» لأنه كشف الكثير من الوحي الكتابي السابق الذي أخفاه أهل الكتاب، وهو قوله ﴿يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ﴾. ثم يعود الشطر الثاني ليؤكّد إرسال الله للنبي ﷺ والقرآن الكريم، فيشير هذه المرّة «ضمنياً» إلى الرسول ﷺ بعبارة ﴿مِّنَ اللَّـهِ نُورٌ﴾ وإلى القرآن الكريم «صراحةً» بعبارة ﴿كِتَابٌ مُّبِينٌ﴾.

الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان في جلسة مدائح، تكية بغداد، (التسعينيات).

فهذا النور هو سر حال تزكية النفوس الذي آتى الله رسولَه الكريم ﷺ. وبوراثتهم لهذا النور، يرث مشايخ الطريقة حال تزكية النفوس الذي ينفعون به الدراويش الذين يُصاحِبوهم. ويبيّن الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان بأن من يصاحِب الشيخ ينتفع من هذا النور بأربع طرق: أن يكون قريباً من الشيخ، زيارة الشيخ إذا لم يكن قريباً منه، الحصول على أشياءٍ مباركة من الشيخ، ودخول حال المراقبة مع الشيخ عن بعد، أي جعل المريد للشيخ في قلبه. فصحبة الشيخ تنمّي النور في قلب المريد، فيقترب من الله، فيبدأ بتلقّي الكشوفات الروحية، وتحصل له الكرامات، ويصل إلى مرتبة الولاية: ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّـهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ (يونس/62)،[21] فيحصل على ما يشير إليه الشيخ عبد القادِر الگيلاني بهذا الوصف البليغ: «ما لا عينٌ رأَت، ولا أذُنٌ سَمِعت، ولا خَطَر على قلب بشر»،[22] الذي وصف به الرسول ﷺ ما أعدَّ الله عز وجل لصالحي عباده.[23] والولي هو شخص مقرَّب من الله قد منَّ عليه ببركة روحية تظهر أحياناً على شكل أفعال خارقة للعادة. وسنتطرّق إلى مفهوم «الولاية» في الفصل الخامس.

وفي الآية الكريمة التالية إحدى لطائف القرآن الكريم التي تشرح أهمية الصُّحْبة الروحية وتؤكّدها: ﴿وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِن وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ﴾ (النساء/102). فالمُلاحَظ هنا أمر الله عز وجل أن تصلي كل مجموعة من المسلمين مع النبي ﷺ، لأن الصلاة معه ليست كالصلاة مع غيره. فلو لم يكن الأمر كذلك لما أمر الله المسلمين بالتناوب على الصلاة مع النبي ﷺ، مما يعني بأنه صلّى عدد الجماعات التي أمّها في الصلاة، ولصلّت طائفة منهم معه حين يصلّي وصلّت بقية المجموعات من دونه. وتشرح لنا هذه الآية أيضاً فضل صلاة الجماعة بشكل عام، لأن في صلاة الجماعة ينتفع الأضعف حالاً روحياً بالأقوى.

كما يفسّر الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد بأن الصُّحْبة الروحية، التي تبدأ باللمسة الروحية للبيعة، التي سنتناولها في الفصل الرابع، هي أساس ارتقاء إيمان المرء من «تقليدي» إلى «حقيقي». والإيمان التقليدي هو الإيمان الذي يحمله المرء من غير دليل خبراتي مباشر على أُسسه الغيبية. وغالباً ما يكون الإنسان قد ورث هذا النوع من الإيمان من أهله والثقافة التي نشأ فيها، وقد يدعمُ هذا الموروثِ بحججٍ عقليةٍ تتباين في قوّتها. أما الإيمان الحقيقي فيكتسبه المرء بعد أن يشهد بشكل مباشر الحقائق الغيبية التي يقوم عليها إيمانه، أي يشير مفهوم «الإيمان الحقيقي» لشيخنا إلى مرتبة الإحسان التي ذكرها الرسول ﷺ والتي ناقشناها فيما تقدّم. ولا يصل المرء إلى هذه المرتبة إلا بالتتلمذ على يد مرشد روحي يمرّ بصحبته بخبرات روحية خارقة تؤكّد له صحّة ما يؤمن به. لأن المرشد الروحي الحقيقي قريب من الله ومُؤيَّدٌ منه، والقرب والتأييد من الله يعنيان بأن ذلك الشخص لديه حكمة تجيب على أسئلة العقل وتقنعه، وعنده خوارق للعادات تبيّن للعقل حدوده وتأتيه بالدلائل على عالم الغيب الذي لا سبيل للعقل بمفرده إليه. فإن ما جعل للصحابة ذلك الإيمان الذي كانوا عليه هو صحبتهم للرسول ﷺ وبالتالي شهودهم لمختلف المعجزات منه ليلاً ونهاراً، بما في ذلك خوارقٍ حدثت لهم. فقد كان إيمان الصحابة إيمان شهادة ومعاينة وخبرة شخصيّة، وليس مجرَّدَ إيمان تصديق لأخبار.

الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان مع مجموعة من المقاتلين الأكراد، كردستان، (النصف الأول من الستينيات).

وهكذا يفسّر أستاذنا كلمة ﴿الْيَقِينُ﴾ في الآية الكريمة: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ (الحجر/99). فاليقين هو الإيمان الثابت الذي ترسّخه الخبرات المباشرة للكرامات والتجارب الروحية الشخصية، فلا تترك مجالاً للشك في عقل أو قلب المسلم المؤمن.[24] أي أن اليقين هو «الإيمان الكامل بالله».[25] ويبيّن بأن ﴿الْيَقِينُ﴾ في هذه الآية الكريمة، كحال الكثير من الكلمات والآيات القرآنية، لها أكثر من معنى. فهي تعني أيضاً «الموت»، فيكون معنى الأمر الإلهي في هذه الحالة وجوب عبادة الله حتى الموت، أي من غير توقّف.[26]

فالصُّحْبة المُزَكِّية إذاً هي بوابة منزلة الإحسان. ولقد أبدع الخليفة الشهيد علي فايز (رحمه الله) حين خاطب شيخنا بهذا الشعر الذي ينطق علماً عن بركة الصحبة، وهو من القصيدة التي استشهدنا ببعضها في بداية الكتاب:

    فَجَدَّت بي بِصُحبَتِكم أمورٌ           ولم يَحصَلْ جَديدي باجتِهادي

3-2 الوارث المُحَمَّدي

يرث شيخ الطريقة من أحوال النبي ﷺ وصفاته، دون النبوّة التي لا تكون لأحد بعد الرسول مُحَمَّد ﷺ، ولذلك فإنه يُعرَف بوصف «الوارث المُحَمَّدي»، فقيل «الشَّيْخُ فِي قَوْمِهِ كَالنَّبِيِّ فِي أُمَّتِهِ».[27] فالشيخ وإن لم يكن نبياً فإن دوره الإرشادي والتعليمي بين مريديه كدور النبي في قومه. وسنتطرّق في الفصل الرابع عشر إلى بعض الكرامات التي تبيّن وراثة الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان للرسول ﷺ، ولكن سنذكر هنا إحدى هذه الكرامات عن الشيخ عبد الكريم الكَسْنَزان، أستاذ شيخنا ووالده، فكل شيخ من مشايخ الطريقة الكَسْنَزانِيّة هو وارثٌ روحيٌ للرسول ﷺ.

الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان في مسكنه خلال زيارته لندن (منتصف 2000).

كان الشيخ عبد الوهاب الطُعْمة، إمام وخطيب الحضرة القادِريّة في بغداد، يحمل في قلبه بعض التساؤلات والشكوك حول مشايخ طريقتنا. وفي عام 1996، زار الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد وحلّ ليلةً ضيفاً عليه في بغداد. وفي الصباح الباكر قصّ الشيخ الطُعْمة على خلفاء في التكية رؤيا عجيبة شاهدها في تلك الليلة. حيث شاهد الرسول ﷺ وكان الشيخ عبد الكريم الكَسْنَزان يمشي وراءه، وكلما وضع النبي ﷺ قدمه الشريفة في مكان ثم رفعها، تبعه الشيخ عبد الكريم بوضع قدمه على ذلك المكان. فكان النبي ﷺ يسير والشيخ عبد الكريم يتبعه بالمشي على نفس مواضع قدميه. وترمز الرؤيا بوضوح إلى سير الشيخ عبد الكريم الدقيق والحرفي على نهج جدّه النبي ﷺ، فاطمأن قلب الشيخ الطُعْمة. كما تشير كل خطوة إلى مراتب روحية وصلها الشيخ عبد الكريم. وتذكّرنا هذه الرؤيا بقول للشيخ عبد القادِر الگيلاني:

«كل وليّ على قدمِ نبي، وأنا على قدم جدّي مُحَمَّد ﷺ. وما رفع المصطفى ﷺ قدماً إلا وضعت قدمي في الموضع الذي رفع قدمه منه، إلا أن يكون قدماً من أقدام النبوّة، فإنّه لا سبيل أن يناله غير نبي».[28]

الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان في حلقة الذكر (نهاية الثمانينيات).

وهكذا فإن صُحْبة مشايخ الطريقة فريدة من نوعها، لأن الله تعالى منَّ عليهم بفضلٍ خاصٍ بجعلهم ورثة النبي ﷺ فجعلهم أقرب وسيلة للوصول إليه: ﴿أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ﴾ (الإسراء/57). فللوارث المُحَمَّدي بصيرة روحية خاصة تجعله يساعد المؤمن على رؤية عيوبه الخفيّة ومعالجتها، أحياناً بصريح القول والفعل وأخرى بالإشارة والرمز، أحياناً بما هو مُعتاد ومألوف وأخرى بخوارق العادات. لذلك فإن مشيخة الطريقة هي اصطفاء من الله وليست اختياراً من الناس أو اكتساباً لمن يريدها منهم. فيمكن للمرء أن يعمل ويفلح ويبلغ مراتبَ روحية عالية، ولكن نيابة النبي ﷺ هو أمر ربّاني لا يد فيه لإنسان، مثلما أن النبوة هي اصطفاء من الله وليست اكتساباً من عمل النبي. وسنرى أمثلة عديدة على ذلك عند دراستنا لسير مشايخنا في الجزء الثاني من الكتاب.

ولما كان الوارث المُحَمَّدي يجسّد أحوال وأفعال وأقوال حضرة الرسول ﷺ، فإنه يرث منه ﷺ مختلف أشكال تأثيراته الروحية، وهذه البركة الروحية هي من دلائل الوراثة المُحَمَّدية. وأحوال النبي ﷺ تظهر آثارها على وارثها مثلما كانت القوة الروحية للنبي ﷺ مرئية ومحسوسة لكل من صاحَبَه. فمثلاً روى حَنْظَلَة الْأُسَيِّدِيِّ، الذي كان من كتاب الوحي، حادثةً تبيّن التأثير الروحي لصحبة النبي ﷺ. إذ لقاه يوماً أبو بكر فسأله: «كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ»؟ فأجابه حزيناً: «نَافَقَ حَنْظَلَةُ»! فاستغرب أبو بكر قوله واستفسر عنه، فأجابه: «نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ الله ﷺ يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ. فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَافَسْنَا[29] الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ فَنَسِينَا كَثِيرًا»، فوافَقه أبو بكر على قوله.[30] فالحضور الروحي للنبي ﷺ يعطي لذكر الله واليوم الآخر تأثيراً أقوى على النفس. فلم يكن وقع آيات القرآن الكريم على نفس قارئها أو سامعها من المؤمنين، مهما كانت درجة تقوى القارئ والسامع، كوقعها حين سماعها من الرسول ﷺ. فصوت النبي ﷺ يكشف عن قدر أكبر بكثير من الطاقة الروحية التي تحملها كلمات الله، وهو تأثير كان يحسّه الصحابة.

الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان في نهاية حلقة الذكر، تكية بغداد (التسعينيات).

ومن حضر مجالس الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان أختبر هذا الأمر بشكل مباشر. فعلى سبيل المثال، كثيراً ما كان شيخنا يكرّر في إرشاده آيات الذكر مثل: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾ (البقرة/152). وقد يكون المرء قد قرأ وسمع هذه الآية الكريمة مئات بل آلاف المرّات، إلا أن سماعها من فم شيخنا يجعله يجد في الآية الكريمة قوّة روحية لا يحسّها حين يسمعها من فم شخص آخر أو يقرأها أو يتذكرها لوحده، فتؤثّر فيه الآية الكريمة كما لا تفعل حين تأتي من مصدر آخر، ويحسّ بمعناها بشكل أكثر وضوحاً. ولا يغيّر من هذه التجربة الفريدة تكرار سماع المرء هذه الآية الكريمة من شيخنا، إذ تبدو كل مرة وكأنها حالة فريدة لأن السامع يتذوّق في كل مرة جمال الآية غير المتناهي. وكذلك هو حال كل كلام الإرشاد إلى طريق الله، فحين ينطق به الشيخ العارِف بالله فإن صدقه وبركة قربه من الله يجعلان للكلام تأثيراً عظيماً، لأنه يخرج من قلب امتلأ بذكر ونور الله وليس فقط من عقل مؤمن.

ومثلما أن هذا التأثير الروحي هو سرّ كون صُحْبة شيخٍ عاملٍ بنهج النبي ﷺ هي أقصر سبل الوصول إلى الله عز وجل، فإنه أيضاً دليل السالك على الوارث المُحَمَّدي الحق. فالمعلّم الذي يؤثّر في العقل دون القلب والروح قد يكون عالماً متبحراً بالدين، ولكنه ليس في مقام نيابة الرسول ﷺ. فقد يصبح المرء عالمِاً بدراسته لأقوال الرسول ﷺ، وقد يصبح هكذا عالماً عامِلاً باتباعه لأفعاله الشريفة، ولكن لا يصبح العالِم العامِل وارثاً للنبي ﷺ حتى يرث منه أحواله الزكيّة، أي بركته الروحية. فالتجربة الفريدة الكاملة التي كان يجدها المرء في صُحْبة الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد هي نتيجة كونه وارثاً للنبي ﷺ، فتَجَسَّدَت فيه أقواله وأفعاله وأحواله الشريفة ﷺ.

الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان في زيارة مشايخه في كَرْبْچْنَه (ربما الثمانينيات).

وتجعل أحوال النبي ﷺ الروحية وارِثها مصدراً لخوارق العادات، مثلما كانت تصدر عن الرسول ﷺ الكثير من المعجزات. فالتأثير الروحي للوارث المُحَمَّدي على قلب وروح المريد هو نوع من الكرامات، وهنالك أشكال أخرى كثيرة من الخوارق التي تصدر عن وارث الرسول ﷺ لترشد الناس إليه وتثبّت قلوبهم على الإيمان. وهذا حال كل أساتذة الطريقة الكَسْنَزانيّة، فحياة كل شيخ منهم غنيّة بكرامات لم تتوقّف حتى بعد انتقالهم من هذه الدنيا إلى دار البقاء. وسنبحث موضوع الكرامات بالتفصيل في الفصل الخامس، كما ستمر بنا بعض كرامات مشايخنا في مختلف الفصول.

وهذا أيضاً يعني بأن الوارث المُحَمَّدي هو المرجِع في التمييز بين الحق والباطل فيما قيل وكُتِبَ عن الرسول ﷺ. فمثلاً قد يشكّك البعض في صِحّة حديث حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ أعلاه، ولكن التجربة المباشرة في صُحْبة الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان للحالة التي يصفها ذلك الحديث تعطي الدليل القاطع على صحة ما رُوِيَ عن رسول الله ﷺ. وهنالك كرامة لأستاذنا في هذا الباب يجدر ذكرها. في عام 1994 تقريباً، كان الدكتور عداب الحمش، المتخصّص في الحديث النبوي، يتردّد على شيخنا في بغداد ككثير من العلماء الذين دأبوا على زيارته والمشاركة في مناقشة مختلف الأمور العلمية والدينية والثقافية في مجلسه. فذكر يوماً حديثاً يعتبره صحيحاً، ولكنه تفاجأ بأستاذنا يصف الحديث بأنه موضوع. وقال الدكتور عداب بأنه متأكّد من تصحيحه للحديث، ولكن شيخنا أصرَّ على أن الحديث موضوع واقترح عليه أن يعيد تحقيقه. وبعد أسبوع جاء الدكتور عداب لزيارة شيخنا وهو مندهش، حيث اكتشف بعد إعادة التحقيق بأن الحديث كان فعلاً غير صحيح النسب إلى النبي ﷺ، حيث وجد بأن أحد رجال سنده كان كذّاباً. فلما سأل شيخنا عن كيفية علمه بأن هذا الحديث موضوع، أجابه بأن مشايخه قالوا له بأنه مُختَلَق وأنّ المشايخ لا ينطقون غير الحق.

الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان في جلسة مدائح، مسجد تكية بغداد (4 كانون الأول 1991).

فشيخ الطريقة «أصدقُ إِنباءً من الكتب» في معرفة نهج الرسول ﷺ، لأنه يستلم علومه من المشايخ والرسول ﷺ. وهذا لا يعني بأنه لا يمكن للمرء التعلّم من الكتب، ولكن في كتب الدين والتاريخ بالذات، بما في ذلك ما كُتِب عن سُنّة النبي ﷺ، الكثيرَ مما لا يمكن التحقّق بسهولة من صحّته أو على الأقل من دقّته، فتراه مدار خلاف مستمر، يقبله البعض وينكره الآخر. وهذا أمر طبيعي، لأن هذه كتب وُضِعَت بعد عقود أو قرون بعد النبي ﷺ، ولم تكن في حينه أساليب التوثيق بالتطوّر الذي وصلت إليه في العصور الحديثة، فهنالك الكثير من الأخطاء غير المقصودة فيما كُتِبَ، مثلما أن هنالك الكثير من الروايات المدسوسة لسبب أو لآخر. أما الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد فأخذ سُنّة النبي ﷺ عن أستاذه الشيخ عبد الكريم، الذي أخذها بدوره عن أستاذه الشيخ حُسَين، وهكذا. وفي ذلك يقول شيخنا بأنه لا يخالف سُنّة النبي ﷺ بمقدار رأس الأصبع. فصحبة المشايخ واتّباعهم بإخلاص تورث التقوى التي هي مفتاح العلم: ﴿وَاتَّقُوا اللَّـهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّـهُ﴾ (البقرة/282).

وهكذا فإن صُحْبة أحد ورثة أقوال وأفعال وأحوال الرسول ﷺ هي أساس الوصول إلى الله.

4-2 الطاعة في الصُّحْبة

إن الصُّحْبة على الطريق إلى الله هي علاقة ذات شروط خاصة، أهمّها طاعة المُصاحِب للمُصاحَب. ولذلك أمَرَ الله بأن تكون طاعة المسلم للنبي الكريم ﷺ مطلقة:

﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾ (الحشر/7).

﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّـهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا﴾ (الأحزاب/٣٦).

وبدون هذا التسليم لا يجني المريد من الصُّحْبة كل فوائدها، ولذلك أمر الخَضِر موسى بالتسليم: ﴿فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّىٰ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا﴾ (الكهف/70)، فلما فشل موسى في إطاعة الأمر واعترض ثلاث مرات على أفعال من طَلَبَ صُحبَتَه، أنهى الخَضِر هذه الصُّحْبة: ﴿هَـٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ﴾ (الكهف/78). وقال النووي في تعليقه على قصة موسى مع الخَضِر: «وفي هذا الحديث الأدب مع العالِم، وحرمة المشايخ، وترك الاعتراض عليهم وتأويل ما لا يُفهَم ظاهره من أفعالِهم وحركاتهم، والوفاء بعهودهم، والاعتذار عند مخالفة عهدهم».[31] ويقول أستاذنا بأن السالك يجب أن يكون أمام شيخه المرشد كالميت أمام الغاسل، فمثلما لا يقاوم الميت يَدَي غاسله وهما تقلّباه، كذلك يجب أن يكون المريد في طاعته لما يأمره شيخه لكي ينتفع من قيادته لمسيرته الروحية.

وسر وجوب الطاعة في علاقة الصُّحْبة هو أن المتبوع ذو علمٍ لَدُنّي لا يدركه التابع، فأفعال المُصاحَب من أوامر ونواهي تنبع من هذا العلم الخفي على غير أهله: ﴿وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا﴾ (الكهف/82). وإلى هذا العلم اللَّدُنّي اللطيف أشار الرسول الكريم ﷺ حين قال: «أَنَا مَدِينَةُ الْعِلْمِ وَعَلِيٌّ بَابُهَا، فَمَنْ أَرَادَ الْعِلْمَ فَلْيَأْتِهِ مِنْ بَابِهِ».[32] وهذا الحديث الشريف يعني بأن الإمام علي بن أبي طالب هو الخليفة الروحي للنبي ﷺ، واستمرت هذه الخلافة الروحية وتوارث العلم اللَّدُنّي في سلسلة مشايخ الطريقة الذين اختار كل منهم خليفته بهدي من الله، وستستمر إلى يوم الدين.

والطاعة في الصُّحْبة حقٌّ على الجميع، كما شاهدنا في اختبار الله لكليمه موسى مع الخَضِر. وهكذا حال كل شيخ طريقة، فإنه مُلزَم باتّباع ما يوجّهه به النبي ﷺ ومشايخ الطريقة، ولذلك يقول أستاذنا بأن «الشيخ هو آلة روحية في أيدي مشايخ الطريقة من شيخه إلى حضرة الرسول ﷺ».[33] ومن الأمثلة التي يضربها أستاذنا لتقريب هذه الفكرة إلى ذهن المريد قوله بأنه إذا أمره مشايخ الطريقة يوماً فجأة بالسفر إلى مكان ما فإنه يتوجّه من فوره ومن غير حتى أن يقوم بالتجهيز لسفره. ومن الأمثلة على طاعة شيخ الطريقة الكاملة لأساتذته هي الحادثة التالية التي وقعت بعد فترة قصيرة من وفاة الشيخ عبد الكريم، وكان أستاذنا في حينها قد بقي في قرية كَرْبْچْنَه في محافظة السليمانية لفترة طويلة نسبياً. ففي حوالي الساعة التاسعة من صباح أحد الأيّام أرسل في طلب الدرويشة المسؤولة عن مطبخ التكية، وهي إحدى أخواته. وأخبرها بأنه والعائلة والضيوف والدراويش الزائرون سيغادرون كَرْبْچْنَه إلى كركوك، حيث كان سكنه الدائم حينئذ، وطلب منها أن تتهيأ لذلك. وفعلاً قامت مع العاملين على خدمة التكية بالتهيؤ للعودة إلى كركوك، بما في ذلك تحميل معدات المطبخ وغيرها على السيارات لنقلها. وفي حدود الساعة الحادية عشر والنصف صباحاً أرسل شيخنا في طلبها مرّة أخرى، فلما حضرت وجّهها هذه المرّة بإنزال كل الحاجيات وتجهيز طعام الغداء لأن السفرة قد أُلغِيَت! وتفاجأت الدرويشة بهذا التغيير فكان ردّ فعلها العفوي أنها وضعت يديها على رأسها في حركة تبيّن حراجة الموقف الذي وجدت نفسها فيه وقالت: «كيف أستطيع أن أجهّز وجبة الغداء في هذا الوقت المتأخر»؟ فما كان جواب شيخنا إلا أن وضع هو الآخر يديه على رأسه الشريف مجيباً: «وما الذي أستطيع أن أفعله أنا إذ قالوا لي صباحاً أن أعود إلى كركوك وأبلغوني الآن أن أبقى في كَرْبْچْنَه»؟

الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان في جلسة مدائح، تكية بغداد، (التسعينيات).

ونرى هنا تنفيذ شيخنا لأوامر المشايخ من غير تردّد أو حتى استفسار عن سبب الأمر. إنّ معظم أوامر النبي ﷺ ومشايخ الطريقة من عالم الروح إلى ممثّلهم في عالم الظاهر هي واردات روحيّة خاصّة لا يبوح بها شيخ الطريقة، إلا إذا كانت هنالك ضرورة لكشفها.

وكل من رافق أستاذنا عن قرب شهد الكثير من هذه السلوكيّات التي تجسّد وصفه لنفسه بأنه آلة في أيدي مشايخه يحرّكونه كيفما يشاءون.[34] كان أحياناً يتجهّز للسفر من مدينة لأخرى، فترى السيارات والحاجيات والمرافقين جميعاً جاهزين بانتظار الإيعاز من شيخنا الذي هو الآخر في انتظار أمر المشايخ بالسفر. ولكن أحياناً ينتهي الانتظار بإلغاء السفر وكل الخطط المرتبطة به! وفي سياق الحديث عن ضرورة الطاعة، قال شيخنا بأنه بعد جلوسه على سجّادة المشيخة أمره مشايخ الطريقة يوماً بأن يتوقّف عن أكل فخذ الدجاجة، فلم يقربه من ذلك اليوم، وأطاع الأمر من غير أن يسأل عن السبب.[35]

وفيما يلي بعض من أقوال الشيخ عبد القادِر الگيلاني حول أهمية الصُّحْبة وضرورة قرنها بالطاعة للوصول إلى الله:

«اسمع وانظر بقلبك من غير تُهمة، ثم انظر ماذا ترى من العجائب. أزل التهمة للقوم وصدّقهم وآمن لهم بلا لِمَ وكَيف. استصحبوك معهم ورضوك لخدمتهم وأخرجوا لك سهماً مما تنزّل عليهم. النِعَم والمنن تنزِل من السماء على قلوب الصدّيقين، ومواردُ الأسرارِ تنزل على أسرارهم في الليل والنهار. إن أردتَ أن يرْضَوكَ لخدمتهم فطهّر ظاهرك وباطنك؛ قِف بين أيديهم؛ طهّر قلبك من البِدعة، فإن القوم اعتقادهم هو اعتقاد النبيين والمرسلين والصديّقين، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. هم سلفيّون، مذهبهم مذهب العجائز. ما يدعون قَسَماً إلاّ ولهم على دعواهم شاهِد».[36]

«يا قعوداً في البيوت والصوامع مع النفس والطبع والهوى وقلّة العلم، عليكم بصحبة الشيوخ العمّال. اتبعوهم واتركوا أقدامكم خلف أقدامهم. ذلّوا لهم، اصبروا على كَسرهم، حتى تزول أهويتكم وتنكسر نفوسكم وتنطفئ نار طباعكم».[37]

«إذا صحت صُحْبة المريد للشيخ، لقَّمه ورزقه مما في قلبه طعام المعرفة وشرابها».[38]

ولنتوقّف وهلة عند قول الشيخ عبد القادِر «النِعَم والمنن تنزِل من السماء على قلوب الصدّيقين، ومواردُ الأسرارِ تنزل على أسرارهم في الليل والنهار» لشرح مفهوم «السِّرّ» الذي يميّزه عن «القلب». يشير هذا التعبير إلى جزء خفي من الإنسان ينشأ ويتطوّر بقربه من الله سبحانه وتعالى. ويبيّن الشيخ في موضع آخر خصوصيّة السِّرّ حين يقول بأن «أهل السِّرّ كانوا في قديم الزمان قليلين، وهم اليوم أقلّ من كل قليل»،[39] أي ليس السِّرُ موجوداً أو أنه ليس فعّالاً في كل نفسٍ بشرية كباقي مكوّناتها، ولكنه كيان خاصاً ينمو بالقرب من الله عز وجل ويصبح وسيلة تلقي لكشوفات ومخاطبات ربّانية خاصّة: «لايزال المؤمن يخاف حتى يُعطى سِرّه كتابَ الأمان، فيُخبّأه عن قلبه ولا يُطلعه عليه، وهذا لآحاد أفراد».[40] ويتكرّر كثيراً ذكر هذا المصطلح والمفهوم وتمييزه وظيفةً حتى عن القلب في كلام الشيخ عبد القادِر، كما في هذين المثالين:

«ثقل الزهد على البُنية، وثقل المعرِفة على القلب، وثقل القُرْب على السِّرّ».[41]

«المؤمن له ثلاث أعين: عين الرأس ينظر بها إلى الدنيا، وعين القلب ينظر بها إلى الآخرة، وعين السِّرّ ينظر بها إلى الحق عز وجل. عين الرأس تفنى مع الدنيا، وعين القلب تفنى مع الآخرة، وعين السِّرّ تبقى مع الحق عز وجل في الدنيا والآخرة لأنها ناظرة إليه دنيا وآخرة».[42]

وهذا السِّرّ هو المقصود في التعبير الصوفي «قَدَّسَ الله سِرَّه» الذي يُذكَرُ حصراً بعد أسماء كِبار الأولياء، لأنه إقرار بأنهم من «أهل الأسرار»، أي من خواص المُقرَّبين منه سبحانه وتعالى. فتعبير «قَدَّسَ الله سِرّه» ليس كالأقوال الدارجة مثل «رحمه الله» أو «بارك الله مثواه» التي يمكن أن تُطلَق على معظم الناس من قبيل الدعاء لهم، ولكنّه وصفٌ حصري يعكس مكانة خاصّة من القرب من الله سبحانه وتعالى، حيث يشير إلى تطهير وتنزيه الله لسِرّ ذلك الولي الكريم.

ومن يصل هذه الدرجة من القرب من الله يكون مباركاً، كما وصف الله عزّ وجلّ عيسى عليه السلام: ﴿وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ﴾ (مريم/31). ففي القرب من أهل السرّ ومصاحبتهم بركة، بل تشمل هذه البركة حتى حاجياتهم الشخصية، وكما علّمنا الله حين جعل ردّ بصر نبيّ ببركة قميص نبي آخر: ﴿اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَـٰذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ (يوسف/٩٣).

الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان يعطي البيعة في محل إقامته خلال زيارته لندن (2000).

ومن جميل ما قيل في صُحْبة وطاعة الشيخ هو هذه الأبيات من قصيدة «النادِرات العينيّة» للشيخ عبد الكريم الجيلي، أحد أحفاد الشيخ عبد القادِر الگيلاني:

وإن ساعدَ المقدورُ أو ساقك القضا     إلـى شيـخِ حـق فـي الـحـقـيـقة بارِعُ

فــقُـمْ فــي رِضاهِ واتّــبـِـع لــمــرادِهِ     ودَعْ كلَّ ما مـن قـبلِ كنتَ تصانِـعُ

وكُـنْ عـنـدَهُ كالمـيِّـتِ عنـد مُـغسِّلٍ     يُـــقــلِّـــبُـــهُ ما شاءَ وهـــوَ مُــطاوِعُ

ولا تعتَرِضْ فيما جَهَلتَ من أمْرِهِ     عـــلـيــه فـــإنَّ الاعْــتــراضَ تَــنازِعُ

وسـلِّـم لَــهُ مــهـما تـراهُ ولـو يـكُـنْ     عــلـــى غــيـرِ مـشـروعٍ فــثمَّ مُـخادِعُ

فـفي قِـصّـة الِخـضْرِ الكريمِ كــفايةٌ     بـقَـتْـلِ الـغــلامِ والكـــلـيـمُ يــدافِـعُ

فـلـما أضاءَ الصّبحُ عن ليـلِ سِـرِّهِ     وسَــلَّ حُــساماً لــلـمُـحاجِــجِ قاطِــعُ

أقامَ لــهُ الــعــذرَ الــكـــلــيـمُ وإنــهُ     كــذلــكَ عِــلـمُ الــقـومِ فـيـه بـدائِـعُ[43]

وطاعة المريد لشيخه طاعة كاملة هي أولى مراتب الفناء الثلاث في الطريق إلى الله. فهذا «الفناء في الشيخ» يوصل إلى «الفناء في الرسول ﷺ»، والفناء في الرسول ﷺ يوصل إلى «الفناء في الله عز وجل»، وهو غاية الطريق. فطاعة شيخ عارف بالله تجعل السالك يسير على نهج النبي ﷺ، والسير على طريق الرسول ﷺ يؤدي إلى التسليم الكامل لمن أرسله عز وجل.

5-2 الصبر في الصُّحْبة

من بديهيّات الطاعة، أية طاعة، أنها تتطلّب صبراً، فكذلك حال طاعة المريد للشيخ. فلكي يساعد الشيخ المريد على أن يتطوّر روحياً ويكتسب الشمائل الحميدة، فإنه يطلب منه أن يجاهد نفسه، وهذا يعني القيام بأفعالٍ جديدة عليه والتوقّف عن أخرى قد اعتاد عليها. وكثير من هذه التوجيهات تتطلّب من المريد صبراً لأنها تخالف هوى النفس. فإذا لم يصبر المريد على تربية شيخه له فإنه لن يطيعه وبالتالي لن تكون الصحبة كاملة ولن تحقّق كل أهدافها: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (آل عمران/200).

ولكن صحبة الطريقة تتطلّب صبراً من نوعٍ آخر أيضاً، وهو صبر الشيخ على المريد. وهذا أيضا أمر بديهي لأن أية تربية تتطلّب من المُربّي صبراً على عيوب من يربّيه وعلى كسله في تحقيق شروط الصحبة. فلا شكّ أن المريد سيفشل كل حين وآخر في تنفيذ بعض توجيهات شيخه لسبب أو لآخر. والشيخ يرى تقصير مريده في واجب الصحبة أحياناً ظاهراً وأخرى روحياً، وكما نرى في كلام الشيخ عبد القادِر الگيلاني:

«متى تتوبون يا مدبرين! يا عصاة، صالحوا ربكم بواسطة التوبة. لولا حيائي من الله ومن حلمه، لقمت وأخذت بيد واحد منكم وقلت له أنت فعلت كذا وكذا تب إلى الله».[44]

ولكن الشيخ مأمور بستر ما يعلمه روحياً إلا ما اضطُرَّ إلى كشفه:

«البعد يستر والقرب يهتك، ولكن المقرَّب يطلع على الأشياء ويسترها ولا يتكلم بشيء منها إلا غَلَبة. فسبحان من يستر على عباده، سبحان من يُطلع خواصَ خلقه على أحوال عباده ثم يأمرهم بالستر عليهم».[45]

فتكرار المريد لأخطائه يتطلّب من الشيخ الصبر على عيوبه.

ونرى ضرورة الصبر المتبادل لدوام علاقة الصحبة بين الشيخ والمريد، وهي علاقة طويلة المدى، حين نقارنها بما حدث في قصة الخَضِر وموسى. فهذه العلاقة وإن كان الهدف منها ترقية موسى علمياً وروحياً، كما سنرى بالتفصيل في الفصل القادم، فإنها كانت مُصمَّمة من الله عز وجل بأن تكون علاقة وقتيّة قصيرة العمر، ولذلك لم تتطلّب الكثير من الصبر من طرفي الصحبة. فلم يستطِع موسى أن يفي بوعده في الامتناع عن سؤال الخَضِر عن أمور تصدر عنه وينتظر بدلاً من ذلك مبادرة الخَضِر بشرح ما حدث. كما أن علم الخَضِر بقصر هذه الصحبة هو الذي جعله يجعل من محدوديّة صبر موسى توقيتاً لعمرها، لأنه طلب من موسى صبراً كان يعلم بأنه لم يمتلكه:

﴿قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (٦٧) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا ﴾. (الكهف/68)

وأخذ صبر الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد في تربية مريديه أشكالاً. ومنها أنه كان ينتقي كلامه في نصح المريد فكان كريماً في قوله ليساعده على تقبّل النصيحة:

﴿ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾. (النحل/125)

الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان في كَرْبْچْنَه (23 آذار 1990).

وكان يحرص على أن يوازن أي نقد لمريد ما مع الثناء على أعمال أجاد فيها. فكان يجتهد في أن لا يترك المريد مجلسه إلا وهو مندفع للمزيد من جهاد النفس والعمل الصالح. ومع حرصه على إرشاد المريد على حسن العمل، فإن من مظاهر صبره في تربية الدراويش أنه كان يعفو عن أخطائهم ولا يملّ من أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المُنكر. وأحياناً يصعب على المرء فهم صبر الشيخ على المريد، ولكن بدون هذا الصبر الجميل لا يمكن أن تستمر علاقة الصحبة هذه فلا يكون للمريد وقتاً كافياً للتعلّم.

[1] الترمذي، الجامع الكبير، ج 4، ح 2378، ص 187.

[2] عبد بن حميد، المُنتَخَب من مسند عبد بن حميد، ج 1، ح 631، ص 482.

[3] أبو داود، سُنَن أبي داؤد، ج 7، ح 4918، ص 279.

[4] «الكِيرُ» هو الزِقُّ الذي ينفخ فيه الحدّاد على الحديد وقت صهره وتشكيله.

[5] أي «يعطيك».

[6]البخاري، الجامع الصحيح، ج 3، ح 5332، ص 296؛ مسلم، صحيح مُسلم، ج 4، ح 2628، ص 2026.

[7] فتوحي، «مفهوم «لَدُن» في القرآن العظيم».

[8]الترمذي، الجامع الكبير، ج 6، ح 3788، ص 125. يُعرَف هذا الحديث بحديث «العِترة» و «الثَّقَلَين» لورود إحدى هاتين الكلمتين أو كلتيهما في بعض صيغه. ومعنى «العِترة» هو «النسل» و «الأقرباء» و «العشيرة»، والإشارة في هذا الحديث هي صراحةً إلى ذرِّيَّة النبي ﷺ. أما «الثَّقَل» فهو «النفيس العالي الشأن»، وهو يرمز في هذا الحديث إلى «القرآن العظيم» و «عِترة الرسول ﷺ».

[9] ابن عجيبة، إيقاظ الهِمم في شرح الحِكَم، ص 23.

[10] البيهقي، السنن الكبرى، ج 10، ح 20336، ص 194-195. ولكن البيهقي يذكر أيضاً مباشرة قبل هذه الصيغة المُحرَّفة من الحديث صيغته الصحيحة (ح 20335) التي فيها عبارة «أهل بيتي» التاريخية بدل عبارة «سُنّة نبيّه».

[11] الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان، موعظة، الثلث الأخير من 10/2013.

[12] وثّقنا كل الاقتباسات من كتاب «جلاء الخاطر» وفقاً لأول تحقيق لهذه المخطوطة، وهو للشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان، ولكن قمنا بتنقيح بعض المواضع في النص بالاستعانة بتحقيق لاحق لباحِثَين آخرين، وذكرنا المصدرين في قائمة المراجع.

[13] الشيخ عبد القادِر الگيلاني، جلاء الخاطر، ص 16.

[14] هو الشيخ عبد الكريم شاه الكَسْنَزان، أحد كِبار مشايخ الطريقة، الذي سنقرأ عنه الكثير فيما بعد.

[15] «الخليفة» في الطريقة الكَسْنَزانِيّة هو درويش مُوكَّل من قبل الشيخ بإعطاء بيعة الطريقة للناس نيابة عن الشيخ. والخلافة ليست مرتبة روحية ولكنها وظيفة إدارية. وللطريقة الكَسْنَزانيّة عدد كبير جداً من الخلفاء في مختلف أنحاء العالم.

[16]الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان، موعظة، 27 أيلول 2012.

[17] الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان، موعظة، 16 كانون الأول 2013.

[18] أي قرأ قراءةً مختلفة عن قراءة الرجل الأول.

[19] مسلم، صحيح مُسلم، ج 1، ح 820، ص 561.

[20] الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان، الأنوار الرحمانية، ص 24-25.

[21] الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان، موعظة، 30 حزيران 2000.

[22] الشيخ عبد القادِر الگيلاني، جلاء الخاطر، ص 27.

[23]البخاري، الجامع الصحيح، ج 2، ح 3136، ص 249.

[24] الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان، موعظة، 28 أيلول 2012؛ 30 تشرين الأول 2012.

[25] الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان، موعظة، 4 تشرين الأول 2013.

[26] الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان، موعظة، 1 نيسان 2013؛ 18 تشرين الأول 2013.

[27] ذكرت بعض المصادر خطأً بأن هذا حديث نبوي، لكنّ معنى القول صحيح رغم أنه ليس بحديث.

[28] القادِري، الفيوضات الربّانية في المآثر وورد القادِريّة، ص 85.

[29] أي «انشغلنا بهم».

[30] مسلم، صحيح مُسلم، ج 4، ح 2750، ص 2106-2107.

[31] النووي، صحيح مسلم بشرح النووي، ج 15، ص 137.

[32] الطبراني، المعجم الكبير، ج 11، ح 11061، ص 66.

[33] الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان، موعظة، 22 أيلول 2016.

[34] الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان، موعظة، 22 أيلول 2016.

[35] الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان، موعظة، 22 أيلول 2016.

[36] الشيخ عبد القادِر الگيلاني، جلاء الخاطر، ص 10-11.

[37] الشيخ عبد القادِر الگيلاني، جلاء الخاطر، ص 11.

[38] الشيخ عبد القادِر الگيلاني، جلاء الخاطر، ص 9.

[39] الشيخ عبد القادِر الگيلاني، جلاء الخاطر، ص 11.

[40] الشيخ عبد القادِر الگيلاني، جلاء الخاطر، ص 26.

[41] الشيخ عبد القادِر الگيلاني، جلاء الخاطر، ص 24.

[42] الشيخ عبد القادِر الگيلاني، جلاء الخاطر، ص 47.

[43] الشيخ عبد الكريم الجيلي، النادرات العينية، ص 112-113.

[44] الشيخ عبد القادِر الگيلاني، جلاء الخاطر، ص 14.

[45] الشيخ عبد القادِر الگيلاني، جلاء الخاطر، ص 43.

لؤي فتوحي 2004-2021. جميع الحقوق محفوظة.
 http://www.facebook.com/LouayFatoohiAuthor
 http://twitter.com/louayfatoohi
 http://www.instagram.com/Louayfatoohi

Share